الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
فَمَنْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي مَكَان فِيهِ مَا يَلْزَمُهُ اجْتِنَابُهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الزَّوَالِ عَنْهُ، وَكَانَ مَغْلُوبًا لاَ يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهِ عَنْ جَسَدِهِ، وَلاَ عَنْ ثِيَابِهِ: فَإِنَّهُ يُصَلِّي كَمَا هُوَ، وَتُجْزِئُهُ صَلاَتُهُ. فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ أَوْ جُلُوسِهِ، وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى مَكَان غَيْرِهِ: صَلَّى قَائِمًا وَجَلَسَ عَلَى أَقْرَبِ مَا يَقْدِرُ مِنْ الدُّنُوِّ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَلاَ يَجْلِسُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ يُقَرِّبُ: جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَكْثَرَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَضَعُهُمَا عَلَيْهِ، فَإِنْ جَلَسَ عَلَيْهِ، أَوْ سَجَدَ عَلَيْهِ مُتَعَمِّدًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ لاَ يَفْعَلَ: بَطَلَتْ صَلاَتُهُ بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:
وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ فَرْضٌ عَنْ عَيْنِ النَّاظِرِ، وَفِي الصَّلاَةِ جُمْلَةً، كَانَ هُنَالِكَ أَحَدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}. فَمَنْ أَبْدَى فَرْجَهُ لِغَيْرِ مَنْ أُبِيحَ لَهُ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى وَقَالَ تَعَالَى:
وَإِنَّمَا هَذَا لِلْعَامِدِ، وَأَمَّا مَنْ لاَ يَجِدُ ثَوْبًا أُبِيحَ لَهُ الصَّلاَةُ بِهِ أَوْ أُكْرِهَ أَوْ نَسِيَ: فَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وقوله تعالى: قلنا فِي الصَّلاَةِ: غَيْرُ مُجْتَنِبٍ لِمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْنَا اجْتِنَابُهُ، سَوَاءً سَوَاءً، وَلاَ فَرْقَ؛ لِمَا ذَكَرْنَا هُنَالِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
فَلَوْ ابْتَدَأَ التَّكْبِيرَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ أَوْ غَيْرَ مُجْتَنِبٍ لِمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ اجْتِنَابُهُ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلاً فَلاَ صَلاَةَ لَهُ؛ لاَِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّلاَةِ كَمَا أُمِرَ، وَلاَ صَحَّ لَهُ مِنْهَا شَيْءٌ يَبْنِي عَلَيْهِ. وَلاَ يَجُوزُ فِي الصَّلاَةِ تَقْدِيمُ مُؤَخَّرٍ قَبْلَ مَا هُوَ فِي الرُّتْبَةِ قَبْلَهُ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ.
وَالْعَوْرَةُ الْمُفْتَرَضُ سَتْرُهَا عَلَى النَّاظِرِ وَفِي الصَّلاَةِ: مِنْ الرَّجُلِ: الذَّكَرُ وَحَلْقَةُ الدُّبُرِ فَقَطْ؛ وَلَيْسَ الْفَخِذُ مِنْهُ عَوْرَةً وَهِيَ مِنْ الْمَرْأَةِ: جَمِيعُ جِسْمِهَا، حَاشَا الْوَجْهِ، وَالْكَفَّيْنِ فَقَطْ، الْحُرُّ، وَالْعَبْدُ، وَالْحُرَّةُ، وَالأَمَةُ، سَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَلاَ فَرْقَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا ابْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الآُمَوِيُّ، حدثنا أَبِي، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ حُنَيْفٍ الأَنْصَارِيُّ، حدثنا أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: أَقْبَلْتُ بِحَجَرٍ ثَقِيلٍ أَحْمِلُهُ وَعَلَيَّ إزَارٌ خَفِيفٌ، فَانْحَلَّ إزَارِي وَمَعِي الْحَجَرُ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَمْنَعَهُ حَتَّى بَلَغْتُ بِهِ إلَى مَوْضِعِهِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْجِعْ إلَى إزَارِكَ فَخُذْهُ، وَلاَ تَمْشُوا عُرَاةً. فَصَحَّ أَنَّ أَخْذَ الإِزَارِ فَرْضٌ. وَأَمَّا الْفَخِذُ: فَإِنْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ حَدَّثَنَا قَالَ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي ابْنُ عُلَيَّةَ هُوَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ. حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا خَيْبَرَ، فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلاَةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ؛ فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ؛ فَأَجْرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ، وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ حَسَرَ الإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ، حَتَّى إنِّي أَنْظُرُ إلَى بَيَاضِ فَخِذِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ بَاقِي الْحَدِيثِ، قَالَ عَلِيٌّ: فَصَحَّ أَنَّ الْفَخِذَ لَيْسَتْ عَوْرَةً وَلَوْ كَانَتْ عَوْرَةً لَمَا كَشَفَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُطَهَّرِ الْمَعْصُومِ مِنْ النَّاسِ فِي حَالِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ، وَلاَ أَرَاهَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَلاَ غَيْرَهُ، وَهُوَ تَعَالَى قَدْ عَصَمَهُ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ فِي حَالِ الصِّبَا وَقَبْلَ النُّبُوَّةِ كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرَبٍ، حدثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حدثنا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْقُلُ مَعَهُمْ الْحِجَارَةَ لِلْكَعْبَةِ وَعَلَيْهِ إزَارُهُ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ عَمُّهُ: يَا ابْنَ أَخِي، لَوْ حَلَلْتَ إزَارَكَ فَجَعَلْتَهُ عَلَى مَنْكِبِكَ دُونَ الْحِجَارَةِ قَالَ: فَحَلَّهُ وَجَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ؛ فَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَمَا رُئِيَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ عُرْيَانًا. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حدثنا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بُنِيَتْ الْكَعْبَةُ ذَهَبَ هُوَ وَعَبَّاسٌ يَنْقُلاَنِ الْحِجَارَةَ فَقَالَ عَبَّاسٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلْ إزَارَكَ عَلَى رَقَبَتِكَ مِنْ الْحِجَارَةِ فَفَعَلَ، فَخَرَّ إلَى الأَرْضِ، وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ: إزَارِي إزَارِي فَشُدَّ عَلَيْهِ إزَارُهُ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَاجِ، حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرَبٍ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ، حدثنا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَاءِ قَالَ: إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الصَّامِتِ ضَرَبَ فَخِذِي وَقَالَ: إنِّي سَأَلْتُ أَبَا ذَرٍّ فَضَرَبَ فَخِذِي كَمَا ضَرَبْت فَخِذَك، وَقَالَ: إنِّي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَأَلْتَنِي فَضَرَبَ فَخِذِي كَمَا ضَرَبْتُ فَخِذَكَ، وَقَالَ: صَلِّ الصَّلاَةَ لِوَقْتِهَا؛ فَإِنْ أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ مَعَهُمْ فَصَلِّ، وَلاَ تَقُلْ إنِّي قَدْ صَلَّيْتُ فَلاَ أُصَلِّي. فَلَوْ كَانَتْ الْفَخِذُ عَوْرَةً لَمَا مَسَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ أَصْلاً بِيَدِهِ الْمُقَدَّسَةِ، وَلَوْ كَانَتْ الْفَخِذُ عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ عَوْرَةً لَمَا ضَرَبَ عَلَيْهَا بِيَدِهِ: وَكَذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّامِتِ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ. وَمَا يَسْتَحِلُّ مُسْلِمٌ أَنْ يَضْرِبَ بِيَدِهِ عَلَى ذَكَرِ إنْسَانٍ عَلَى الثِّيَابِ، وَلاَ عَلَى حَلْقَةِ دُبُرِ الإِنْسَانِ عَلَى الثِّيَابِ، وَلاَ عَلَى بَدَنِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ عَلَى الثِّيَابِ أَلْبَتَّةَ وَقَدْ مَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْقَوَدِ مِنْ الْكَسْعَةِ وَهِيَ ضَرْبُ الأَلْيَتَيْنِ عَلَى الثِّيَابِ بِبَاطِنِ الْقَدَمِ، وَقَالَ دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ. فإن قيل: فَإِنَّ الْحَجَرَ قَدْ جَمَحَ بِثِيَابِ مُوسَى عليه السلام حَتَّى رَأَى بَنُو إسْرَائِيلَ أَنَّهُ لَيْسَ آدَرَ . قلنا: نَعَمْ، وَلاَ حُجَّةَ لَكُمْ فِي هَذَا، لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَنَا كَشْفُ الْعَوْرَاتِ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى عليه السلام وَفِي ذَلِكَ الْخَبَرِ نَفْسِهِ: أَنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانُوا يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً، وَكَانَ مُوسَى عليه السلام يَغْتَسِلُ فِي الْخَلاَءِ، وَلَمْ يَأْتِ أَنَّهُ عليه السلام نَهَاهُمْ عَنْ الاِغْتِسَالِ عُرَاةً وَقَدْ يَسْتَتِرُ عليه السلام حَيَاءً، كَمَا سَتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاقَهُ حَيَاءً مِنْ عُثْمَانَ؛ وَلَيْسَتْ سَاقُ الرَّجُلِ عَوْرَةً عِنْدَ أَحَدٍ وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّهُمْ رَأَوْا مِنْ مُوسَى: الذَّكَرَ الَّذِي هُوَ عَوْرَةٌ وَإِنَّمَا رَأَوْا مِنْهُ هَيْئَةً تَبَيَّنُوا بِهَا أَنَّهُ مُبَرَّأٌ مِمَّا قَالُوهُ مِنْ الآُدْرَةِ؛ وَهَذَا يَتَبَيَّنُ لِكُلِّ نَاظِرٍ بِلاَ شَكٍّ بِغَيْرِ أَنْ يَرَى شَيْئًا مِنْ الذَّكَرِ، لَكِنْ بِأَنْ يَرَى مَا بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ خَالِيًا فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ فَإِنْ ذَكَرُوا الأَخْبَارَ الْوَاهِيَةَ فِي أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ؛ فَهِيَ كُلُّهَا سَاقِطَةٌ. أَمَّا حَدِيثُ جُوَيْبِرٍ: فَإِنَّهُ عن ابْنِ جَوْهَرٍ؛ وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَعَنْ مَجْهُولِينَ، وَمُنْقَطِعٌ وَمِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَهُوَ صَحِيفَةٌ قَدْ ذَكَرْنَا فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَا لاَ يَقُولُونَ بِهِ. مِثْلَ: رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنَّ كُلَّ مُسْتَلْحَقٍ اُسْتُلْحِقَ بَعْدَ أَبِيهِ الَّذِي يُدْعَى لَهُ ادَّعَاهُ وَرَثَتُهُ: إنْ كَانَ مِنْ أَمَةٍ يَمْلِكُهَا يَوْمَ أَصَابَهَا: فَقَدْ لَحِقَ بِمَنْ اسْتَلْحَقَهُ؛ وَلَيْسَ لَهُ مِمَّا قُسِمَ قَبْلَهُ مِنْ الْمِيرَاثِ شَيْءٌ، وَمَا أَدْرَكَ مِنْ مِيرَاثٍ لَمْ يُقْسَمْ فَلَهُ نَصِيبُهُ، وَلاَ يَلْحَقُ إنْ كَانَ أَبُوهُ الَّذِي يُدْعَى لَهُ أَنْكَرَهُ. وَمِثْلَ: رِوَايَتِهِ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ مُسْنَدًا وَذَكَرَ الْوُضُوءَ ثَلاَثًا ثَلاَثًا هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ وَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ الْحِلَقِ قَبْلَ الصَّلاَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.، وَلاَ يَجُوزُ لاِمْرَأَةٍ أَمْرٌ فِي مَالِهَا إذَا هَلَكَ زَوْجُهَا فِي عِصْمَتِهَا وَ أَنَّهُ عليه السلام قَضَى فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ السَّادَّةِ لِمَكَانِهَا بِثُلُثِ الدِّيَةِ. وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا. وَفِي أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ مِنْ طَرِيقِ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ، فِيهِ: سُلَيْمَانُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ، وَجَرِيرُ بْنُ قَطَنٍ؛ وَهُمْ مَجْهُولُونَ لاَ يُعْرَفُ مَنْ هُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جَحْشٍ، فِيهِ أَبُو كَثِيرٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ، مُنْقَطِعٌ، رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ، بَيْنَهُمَا مَنْ لَمْ يُسَمَّ، وَلاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ، وَرِوَايَةُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: بَيْنَهُمَا رَجُلٌ لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَلَمْ يَرْوِهِ عن ابْنِ جُرَيْجٍ إلاَّ أَبُو خَالِدٍ، وَلاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِيهَا أَبُو يَحْيَى الْقَتَّاتُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِيهِ مَجْهُولُونَ لاَ يُدْرَى مَنْ هُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا لاَ شَيْءَ. وَحَتَّى لَوْ لَمْ يَأْتِ مِنْ الآثَارِ الثَّابِتَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا شَيْءٌ لَمَا جَازَ أَنْ يَقْطَعَ عَلَى عُضْوٍ بِأَنَّهُ عَوْرَةٌ تَبْطُلُ الصَّلاَةُ بِتَرْكِهِ: إلاَّ بِبُرْهَانٍ، مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَاجِ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ عن ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَنَّ أَبَاهُ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنْ الْمَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ أَنَّ حَمْزَةَ صَعَّدَ النَّظَرَ إلَى رُكْبَتَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ إلَى سُرَّتِهِ. وَذَكَرَ بَاقِي الْحَدِيثِ. فَلَوْ كَانَتْ السُّرَّةُ عَوْرَةً لَمَا أَطْلَقَ اللَّهُ حَمْزَةَ، وَلاَ غَيْرَهُ عَلَى النَّظَرِ إلَيْهَا. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد: حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، حدثنا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَرِكِهِ مِنْ وَثْءٍ كَانَ بِهِ. فَلَوْ كَانَ الْوَرِكُ عَوْرَةً مَا كَشَفَهَا عليه السلام إلَى الْحَجَّامِ وَهَذَا إسْنَادٌ أَعْظَمُ آمَالِهِمْ أَنْ يَظْفَرُوا بِمِثْلِهِ لاَِنْفُسِهِمْ وَأَمَّا نَحْنُ فَغَانُونَ بِالصَّحِيحِ عَلَى مَا لاَ نَرَاهُ حُجَّةً، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ أَنْ نَحْتَجَّ فِي مَكَان بِمَا لاَ نَرَاهُ حُجَّةً فِي كُلِّ مَكَان، تَعَصُّبًا لِلتَّقْلِيدِ؛ وَاسْتِهَانَةً بِالشَّرِيعَةِ، وَهَذَا الَّذِي قلنا بِهِ هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى: حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ يُخْبِرُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: رَأَيْت أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَاقِفًا عَلَى قُزَحٍ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَصْبِحُوا، وَإِنِّي لاََنْظُرُ إلَى فَخِذِهِ قَدْ انْكَشَفَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ هُوَ الْحَجَبِيُّ، حدثنا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حدثنا ابْنُ عَوْنٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَنِسِ بْنِ مَالِكٍ: فَذَكَرَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ فَقَالَ: أَتَى أَنَسٌ إلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ وَقَدْ حَسَرَ عَنْ فَخِذَيْهِ وَهُوَ يَتَحَنَّطُ: يَعْنِي مِنْ الْحَنُوطِ لِلْمَوْتِ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَرَوَاهُ حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: دَخَلْت عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: وَهُوَ مَحْمُومٌ وَقَدْ كَشَفَ عَنْ فَخِذَيْهِ، وَذَكَرَ الْخَبَرَ فَهَؤُلاَءِ أَبُو بَكْرٍ بِحَضْرَةِ أَهْلِ الْمَوْسِمِ: وَثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، وَأَنَسٌ، وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَبِهِ نَأْخُذُ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: قال علي: وهذا أَمْرٌ بِلُبْسِهِنَّ الْجَلاَبِيبَ لِلصَّلاَةِ وَالْجِلْبَابُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي خَاطَبْنَا بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ مَا غَطَّى جَمِيعَ الْجِسْمِ، لاَ بَعْضَهُ فَصَحَّ مَا قلنا نَصًّا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا يَحْيَى، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ سُفْيَانَ هُوَ الثَّوْرِيُّ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَذْكُرُ أَنَّهُ شَهِدَ الْعِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَنَّهُ عليه السلام خَطَبَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ؛ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَتَصَدَّقْنَ، فَرَأَيْتُهُنَّ يُهَوِّينَ بِأَيْدِيهِنَّ يَقْذِفْنَهُ فِي ثَوْبِ بِلاَلٍ. فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى أَيْدِيَهُنَّ؛ فَصَحَّ أَنَّ الْيَدَ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَالْوَجْهَ: لَيْسَا عَوْرَةً، وَمَا عَدَاهُمَا؛ فَفَرْضٌ عَلَيْهَا سَتْرُهُ. حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ سَيْفٍ، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، حدثنا أَبِي عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عن ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ اسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ " فَأَخَذَ الْفَضْلُ يَلْتَفِتُ إلَيْهَا، وَكَانَتْ امْرَأَةً حَسْنَاءَ، وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَوِّلُ وَجْهَ الْفَضْلِ مِنْ الشِّقِّ الآخَرِ ". فَلَوْ كَانَ الْوَجْهُ عَوْرَةً يَلْزَمُ سَتْرُهُ لَمَا أَقَرَّهَا عليه السلام عَلَى كَشْفِهِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ، وَلاََمَرَهَا أَنْ تُسْبِلَ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقٍ، وَلَوْ كَانَ وَجْهُهَا مُغَطًّى مَا عَرَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَحَسْنَاءُ هِيَ أَمْ شَوْهَاءُ فَصَحَّ كُلُّ مَا قُلْنَاهُ يَقِينًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا. وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالأَمَةِ فَدِينُ اللَّهِ تَعَالَى وَاحِدٌ، وَالْخِلْقَةُ وَالطَّبِيعَةُ وَاحِدَةٌ، كُلُّ ذَلِكَ فِي الْحَرَائِرِ وَالإِمَاءِ سَوَاءٌ، حَتَّى يَأْتِيَ نَصٌّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي شَيْءٍ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ، فإن قيل: إنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: فَقُلْنَا: هَذَا هُوَ الْكَذِبُ بِلاَ شَكٍّ؛ لاَِنَّ الْبَعْلَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ: السَّيِّدُ، وَالزَّوْجُ، وَأَيْضًا فَالأَمَةُ قَدْ تَتَزَوَّجُ؛ وَمَا عَلِمْنَا قَطُّ أَنَّ الإِمَاءَ لاَ يَكُونُ لَهُنَّ: أَبْنَاءٌ، وَآبَاءٌ، وَأَخْوَالٌ، وَأَعْمَامٌ، كَمَا لِلْحَرَائِرِ، وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ مَنْ وَهَلَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: قَالَ عَلِيٌّ: وَنَحْنُ نَبْرَأُ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ الْفَاسِدِ، الَّذِي هُوَ: إمَّا زَلَّةُ عَالِمٍ وَوَهْلَةُ فَاضِلٍ عَاقِلٍ؛ أَوْ افْتِرَاءُ كَاذِبٍ فَاسِقٍ؛ لاَِنَّ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَقَ الْفُسَّاقَ عَلَى أَعْرَاضِ إمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذِهِ مُصِيبَةُ الأَبَدِ، وَمَا اخْتَلَفَ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فِي أَنَّ تَحْرِيمَ الزِّنَى بِالْحُرَّةِ كَتَحْرِيمِهِ بِالأَمَةِ، وَأَنَّ الْحَدَّ عَلَى الزَّانِي بِالْحُرَّةِ كَالْحَدِّ عَلَى الزَّانِي بِالأَمَةِ، وَلاَ فَرْقَ، وَإِنَّ تَعَرُّضَ الْحُرَّةِ فِي التَّحْرِيمِ كَتَعَرُّضِ الأَمَةِ، وَلاَ فَرْقَ، وَلِهَذَا وَشِبْهِهِ وَجَبَ أَنْ لاَ يُقْبَلَ قَوْلُ أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلاَّ بِأَنْ يُسْنِدَهُ إلَيْهِ عليه السلام. حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَارُودِ الْقَطَّانُ، حدثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حدثنا قَتَادَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ الْحَارِثِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةَ حَائِضٍ إلاَّ بِخِمَارٍ. قَالَ عَلِيٌّ: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا سَأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ: فِي كَمْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ. قَالَتْ: فِي الدِّرْعِ السَّابِغِ الَّذِي يُوَارِي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا وَفِي الْخِمَارِ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أُمِّ ثَوْرٍ عَنْ زَوْجِهَا بِشْرٍ قَالَ: قُلْت لاِبْنِ عَبَّاسٍ: فِي كَمْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ مِنْ الثِّيَابِ. قَالَ: فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ مَكْحُولٍ عَمَّنْ سَأَلَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ: فِي كَمْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ مِنْ الثِّيَابِ فَقَالَتْ لَهُ: سَلْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ثُمَّ ارْجِعْ إلَيَّ فَأَخْبِرْنِي فَأَتَى عَلِيًّا فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: فِي الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ السَّابِغِ، فَرَجَعَ إلَى عَائِشَةَ فَأَخْبَرَهَا. فَقَالَتْ: صَدَقَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ أَنَا قَابُوسُ بْنُ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ جَارِيَةً كَانَتْ تَخْرُجُ عَلَى عَهْدِ عَائِشَةَ بَعْدَمَا تَحَرَّكَ ثَدْيَاهَا؛ فَقِيلَ لِعَائِشَةَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَتْ: إنَّهَا لَمْ تَحِضْ بَعْدُ فَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُمْ، رضي الله عنهم، أَرَادُوا الْحَرَائِرَ دُونَ الإِمَاءِ: كَانَ كَاذِبًا وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ فَرْقٌ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: بَلْ أَرَادُوا إلاَّ الْقُرَشِيَّاتِ خَاصَّةً، أَوْ الْمُضَرِيَّاتِ خَاصَّةً؛ أَوْ الْعَرَبِيَّاتِ خَاصَّةً، وَكُلُّ ذَلِكَ كَذِبٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُثَنَّى، حدثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، حدثنا خُصَيْفٌ سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُولُ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ صَلَّتْ وَلَمْ تُغَطِّ شَعْرَهَا لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ لَهَا صَلاَةً. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُثَنَّى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عن ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: تنع الأَمَةُ رَأْسَهَا فِي الصَّلاَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى قَالَ: إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ لَمْ تُقْبَلْ لَهَا صَلاَةٌ حَتَّى تَخْتَمِرَ، وَتُوَارِيَ رَأْسَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: إذَا صَلَّتْ الأَمَةُ غَطَّتْ رَأْسَهَا وَغَيَّبَتْهُ بِخِرْقَةٍ أَوْ خِمَارٍ، وَكَذَلِكَ كُنَّ يَضَعْنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَكَانَ الْحَسَنُ يَأْمُرُ الأَمَةَ إذْ تَزَوَّجَتْ عَبْدًا أَوْ حُرًّا أَنْ تَخْتَمِرَ: قَالَ عَلِيٌّ: لَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه فِي خِلاَفِ هَذَا وَعَنْ غَيْرِهِ، وَلَكِنْ لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا تَنَازَعَ السَّلَفُ، رضي الله عنهم، وَجَبَ الرَّدُّ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّدَّ إلَيْهِ: مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ؛ وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ، وَلاَ فِي السُّنَّةِ: فَرْقٌ فِي الصَّلاَةِ بَيْنَ حُرَّةٍ، وَلاَ أَمَةٍ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ لاَ يُبَالُونَ بِخِلاَفِ عُمَرَ رضي الله عنه: حَيْثُ لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُ، وَحَيْثُ لاَ مُخَالِفَ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَحَيْثُ مَعَهُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ: إذَا خَالَفَهُ رَأْيُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ: كَقَضَائِهِ فِي الأَرْنَبِ يَقْتُلُهَا الْمُحْرِمُ بِعَنَاقٍ، وَفِي الضَّبِّ بِجَدْيٍ. وَكَقَوْلِهِ: كُلُّ نِكَاحٍ فَاسِدٍ فَلاَ صَدَاقَ فِيهِ. وَقَوْلِهِ بِالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ إلَى مِئِينَ مِنْ الْقَضَايَا، فَإِذَا وَافَقَ مَا رُوِيَ عَنْهُ رَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ: صَارَ حِينَئِذٍ حُجَّةً لاَ يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ، وَإِنْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ وَإِنْ خَالَفُوا الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الَّذِي عَنْ عُمَرَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي خُرُوجِهِنَّ لاَ فِي الصَّلاَةِ؛ فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِعُمَرَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: إنْ صَلَّتْ أُمُّ الْوَلَدِ بِلاَ خِمَارٍ أَعَادَتْ فِي الْوَقْتِ، وَقَدْ رُوِّينَا عن ابْنِ عَبَّاسٍ فِي، وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا قَالَ: الْكَفُّ، وَالْخَاتَمُ، وَالْوَجْهُ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: الْوَجْهُ، وَالْكَفَّانِ، وَعَنْ أَنَسٍ: الْكَفُّ، وَالْخَاتَمُ وَكُلُّ هَذَا عَنْهُمْ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا مِنْ التَّابِعِينَ قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ قَالُوا: قَدْ جَاءَ الْفَرْقُ فِي الْحُدُودِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالأَمَةِ. قلنا: نَعَمْ، وَبَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ؛ فَلِمَ سَاوَيْتُمْ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِيمَا هُوَ مِنْهُمَا عَوْرَةٌ فِي الصَّلاَةِ، وَفَرَّقْتُمْ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالأَمَةِ فِيمَا هُوَ مِنْهُمَا عَوْرَةٌ فِي الصَّلاَةِ، وَقَدْ صَحَّ الإِجْمَاعُ وَالنَّصُّ عَلَى وُجُوبِ الصَّلاَةِ عَلَى الأَمَةِ كَوُجُوبِهَا عَلَى الْحُرَّةِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهَا، مِنْ الطَّهَارَةِ، وَالْقِبْلَةِ، وَعَدَدِ الرُّكُوعِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الْعَوْرَةِ وَهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، وَهَذَا مِقْدَارُ قِيَاسِهِمْ، الَّذِي لاَ شَيْءَ أَسْقَطَ مِنْهُ، وَلاَ أَشَدَّ تَخَاذُلاً، فَلاَ النَّصَّ اتَّبَعُوا، وَلاَ الْقِيَاسَ عَرَفُوا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ: فإن قيل: فَلِمَ فَرَّقْتُمْ أَنْتُمْ بَيْنَ مَنْ اُضْطُرَّ الْمَرْءُ إلَيْهِ بِعَدَمٍ أَوْ إكْرَاهٍ فِي الصَّلاَةِ مَكْشُوفِ الْعَوْرَةِ، وَفِي مَكَان فِيهِ مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ اجْتِنَابُهُ، أَوْ فِي ثِيَابِهِ، أَوْ فِي جَسَدِهِ؛ فَأَجَزْتُمْ صَلاَتَهُ كَذَلِكَ: وَبَيْنَ صَلاَتِهِ كَذَلِكَ نَاسِيًا فَلِمَ تُجِيزُوهَا. قلنا: نَعَمْ، فَإِنَّ النُّصُوصَ قَدْ جَاءَتْ بِأَنَّ كُلَّ مَا نَسِيَهُ الْمَرْءُ مِنْ أَعْمَالِ صَلاَتِهِ فَإِنَّهُ لاَ تُجْزِئُهُ صَلاَتُهُ دُونَهَا؛ وَأَنَّهُ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ إتْيَانِهَا؛ كَمَنْ نَسِيَ الطَّهَارَةَ، أَوْ التَّكْبِيرَ، أَوْ الْقِيَامَ؛ أَوْ السُّجُودَ، أَوْ الرُّكُوعَ، أَوْ الْجُلُوسَ. وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ مَنْ نَسِيَ فَعَوَّضَ الْقُعُودَ مَكَانَ الْقِيَامِ فِي الصَّلاَةِ، أَوْ الْقِيَامَ مَكَانَ الْقُعُودِ، أَوْ الرُّكُوعَ مَكَانَ السُّجُودِ: فَإِنَّهُ لاَ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ. وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَسِيَ صَلاَةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا؛ وَبَعْضُ الصَّلاَةِ صَلاَةٌ بِلاَ خِلاَفٍ؛ فَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِمَا كَمَا أَمَرَ نَاسِيًا فَقَدْ نَسِيَ مِنْ صَلاَتِهِ جُزْءًا وَأَتَى بِمَا لَيْسَ صَلاَةً، إذْ صَلَّى بِخِلاَفِ مَا أَمَرَ؛ فَمِنْ هَهُنَا أَوْجَبْنَا عَلَى النَّاسِي أَنْ يَأْتِيَ بِمَا نَسِيَ كَمَا أَمَرَ وَأَجَزْنَا صَلاَتَهُ كَذَلِكَ فِي الإِكْرَاهِ بِغَلَبَةٍ أَوْ عَدَمٍ؛ لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ بِجَوَازِ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا فِي عَدَمِ الْقُوَّةِ. فإن قيل: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السلام فَأَعْلَمَهُ أَنَّ فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا؛ فَخَلَعَهُمَا وَتَمَادَى فِي صَلاَتِهِ. قلنا: نَعَمْ، وَإِنَّمَا حَرَّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ حِينَ أَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام لاَ قَبْلَ ذَلِكَ؛ فَكَانَ ابْتِدَاؤُهُ الصَّلاَةَ كَذَلِكَ جَائِزًا، وَقَالَ عليه السلام فِي آخِرِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ إذْ سَلِمَ كَلاَمًا مَعْنَاهُ: إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلاَةِ فَلْيَنْظُرْ نَعْلَيْهِ أَوْ قَالَ خُفَّيْهِ فَإِنْ رَأَى فِيهَا شَيْئًا فَلْيَحُكَّهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا وَكَانَ هَذَا الْحُكْمُ وَارِدًا بَعْدَ تِلْكَ الصَّلاَةِ. فَمَنْ صَلَّى وَلَمْ يَتَأَمَّلْ نَعْلَيْهِ، أَوْ خُفَّيْهِ، وَكَانَ فِيهِمَا أَذًى فَقَدْ صَلَّى بِخِلاَفِ مَا أَمَرَ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وقال أبو حنيفة: الْعَوْرَةُ تَخْتَلِفُ؛ فَهِيَ مِنْ الرِّجَالِ: مَا بَيْنَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ وَالرُّكْبَةُ عَوْرَةٌ، وَالسُّرَّةُ لَيْسَتْ عَوْرَةٌ. وَهِيَ مِنْ الْحُرَّةِ: جَمِيعُ جَسَدِهَا، حَاشَا الْوَجْهَ، وَالْكَفَّيْنِ، وَالْقَدَمَيْنِ. وَهِيَ مِنْ الأَمَةِ كَالرَّجُلِ سَوَاءً سَوَاءً؛ فَتُصَلِّي الأَمَةُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمُدَبَّرَةُ: عِنْدَهُمْ عُرْيَانَةَ الرَّأْسِ، وَالْجَسَدِ كُلِّهِ، حَاشَا مِئْزَرًا يَسْتُرُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا فَقَطْ، لاَ كَرَاهَةَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ. قَالَ: وَأَحْكَامُ الْعَوْرَاتِ تَخْتَلِفُ؛ فَإِذَا انْكَشَفَ مِنْ الرَّجُلِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ مِنْ ذَكَرِهِ؛ أَوْ مِنْ الْمَرْأَةِ مِنْ فَرْجِهَا، فِي حَالِ اسْتِقْبَالِهِمَا الاِفْتِتَاحَ لِلصَّلاَةِ؛ أَوْ فِي حَالِ اسْتِقْبَالِهِمَا الرُّكُوعَ؛ أَوْ فِي حَالِ اسْتِقْبَالِهِمَا الْقِيَامَ: بَطَلَتْ صَلاَتُهُمَا، فَإِنْ انْكَشَفَ هَذَا الْمِقْدَارُ مِنْ ذَكَرِهِ، أَوْ مِنْ فَرْجِهَا، فِي حَالِ الْقِيَامِ، أَوْ فِي حَالِ الرُّكُوعِ، أَوْ فِي حَالِ السُّجُودِ، فَسَتَرَا ذَلِكَ حِينَ انْكِشَافِهِ: لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ صَلاَتَهُمَا شَيْئًا. فَإِنْ انْكَشَفَ مِنْ ذَكَرِهِ، أَوْ مِنْ فَرْجِهَا، فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا قَدْرُ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَأَقَلُّ: لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ صَلاَتَهُمَا شَيْئًا. طَالَ ذَلِكَ أَمْ قَصُرَ. فَإِنْ انْكَشَفَ مِنْ فَخِذِ الرَّجُلِ، أَوْ الأَمَةِ، أَوْ الْحُرَّةِ، أَوْ مَقَاعِدِهِمَا، أَوْ وَرِكَيْهِمَا، أَوْ مِنْ جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْحُرَّةِ: الصَّدْرِ، أَوْ الْبَطْنِ، أَوْ الظَّهْرِ، أَوْ الشَّعْرِ، أَوْ الْعُنُقِ: مِقْدَارُ رُبْعِ الْعُضْوِ فَأَكْثَرُ: بَطَلَتْ الصَّلاَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. فَإِنْ انْكَشَفَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ الرُّبْعِ لَمْ يَضُرَّ الصَّلاَةَ شَيْئًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لاَ تَبْطُلُ الصَّلاَةُ إلاَّ أَنْ يَنْكَشِفَ مِمَّا عَدَا الْفَرْجِ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْعُضْوِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فَإِنْ أُعْتِقَتْ أَمَةٌ فِي الصَّلاَةِ فَإِنَّهَا تَأْخُذُ قِنَاعَهَا وَتَسْتَتِرُ، وَتَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلاَتِهَا، فَإِنْ بَدَأَ الرَّجُلُ الصَّلاَةَ عُرْيَانًا لِضَرُورَةٍ ثُمَّ وَجَدَ ثَوْبًا فَإِنَّ صَلاَتَهُ تَبْطُلُ؛ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَبْتَدِئَهَا، وَلاَ بُدَّ، وَسَوَاءٌ كَانَ وُجُودُهُ الثَّوْبَ فِي أَوَّلِ صَلاَتِهِ أَوْ فِي آخِرِهَا، وَلَوْ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ، مَا لَمْ يُسَلِّمْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ: إنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ أَحْدَثَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا فَقَدْ تَمَّتْ صَلاَتُهُ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، فَصَارَ وُجُوبُ الثَّوْبِ أَعْظَمَ عِنْدَهُ مِنْ الْبَوْلِ أَوْ الْغَائِطِ، قَالَ: فَلَوْ زَحَمَ الْمَأْمُومُ حَتَّى وَقَعَ إزَارُهُ وَبَدَا فَرْجُهُ كُلُّهُ فَبَقِيَ وَاقِفًا كَمَا هُوَ حَتَّى تَمَّتْ صَلاَةُ الإِمَامِ: فَصَلاَةُ ذَلِكَ الْمَأْمُومِ تَامَّةٌ، فَلَوْ رَكَعَ بِرُكُوعِ الإِمَامِ أَوْ سَجَدَ بِسُجُودِهِ: بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، قَالَ عَلِيٌّ: فَهَلْ لِهَذِهِ الأَقْوَالِ دَوَاءٌ أَوْ مُعَارَضَةٌ إلاَّ حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى السَّلاَمَةِ مِنْهَا وَهَلْ يُحْصَى مَا فِيهَا مِنْ التَّخْلِيطِ إلاَّ بِكُلْفَةٍ، وقال مالك: الأَمَةُ عَوْرَةٌ كَالْحُرَّةِ؛ حَاشَا شَعْرَهَا فَقَطْ؛ فَلَيْسَ عَوْرَةً؛ فَإِنْ انْكَشَفَ شَعْرُ الْحُرَّةِ أَوْ صَدْرُهَا أَوْ سَاقُهَا فِي الصَّلاَةِ لَمْ تُعِدْ إلاَّ فِي الْوَقْتِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَلاَ نَدْرِي قَوْلَهُ فِي الْفَرْجِ؛ وَمَا نَرَاهُ يَرَى الإِعَادَةَ مِنْ ذَلِكَ إلاَّ فِي الْوَقْتِ؛ وَقَدْ تَقَدَّمَ إفْسَادُنَا لِقَوْلِهِ بِالإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا؛ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ، وَلاَ فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ نِسْيَانٍ وَعَمْدٍ فِي ذَلِكَ، وقال الشافعي: إنْ انْكَشَفَ مِنْ عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَهِيَ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ أَوْ عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ وَهُوَ جَمِيعُ جَسَدِ الْحُرَّةِ، وَالأَمَةِ، حَاشَا شَعْرَ الأَمَةِ وَوَجْهَهَا، وَوَجْهَ الْحُرَّةِ وَكَفَّيْهَا، وَكَفَّيْ الأَمَةِ: شَيْءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ؛ فَإِنْ سُتِرَ فِي الْوَقْتِ لَمْ يَضُرَّ شَيْئًا وَالصَّلاَةُ تَامَّةٌ؛ وَإِنْ بَقِيَ مِقْدَارَ مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَلَمْ يُغَطِّ: بَطَلَتْ الصَّلاَةُ النِّسْيَانُ وَالْعَمْدُ سَوَاءٌ. قال علي: وهذا تَقْسِيمٌ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: النِّسْيَانُ فِي ذَلِكَ مَرْفُوعٌ؛ فَإِنْ انْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْ الْعَوْرَةِ عَمْدًا بَطَلَتْ الصَّلاَةُ.
وَالْعُرَاةُ بِعَطَبٍ، أَوْ سَلْبٍ، أَوْ فَقْرٍ: يُصَلُّونَ كَمَا هُمْ فِي جَمَاعَةٍ فِي صَفٍّ خَلْفَ إمَامِهِمْ، يَرْكَعُونَ، وَيَسْجُدُونَ، وَيَقُومُونَ، وَيَغُضُّونَ أَبْصَارَهُمْ. وَمَنْ تَعَمَّدَ فِي صَلاَتِهِ؛ تَأَمُّلَ عَوْرَةِ رَجُلٍ، أَوْ امْرَأَةٍ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ: بَطَلَتْ صَلاَتُهُ؛ فَإِنْ تَأَمَّلَهَا نَاسِيًا لَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهُ، وَلَزِمَهُ سُجُودُ السَّهْوِ. فَإِنْ تَأَمَّلَ عَوْرَةَ امْرَأَتِهِ، فَإِنْ تَرَكَ الإِقْبَالَ عَلَى صَلاَتِهِ عَامِدًا لِذَلِكَ: بَطَلَتْ صَلاَتُهُ؛ كَمَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لِسَائِرِ الأَشْيَاءِ، وَلاَ فَرْقَ؛ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ لِذَلِكَ الإِقْبَالَ عَلَى صَلاَتِهِ: فَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَأَمَّا مَنْ تَأَمَّلَ فِي صَلاَتِهِ عَوْرَةً لاَ يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا: فَإِنَّ صَلاَتَهُ تَبْطُلُ لاَِنَّهُ عَمِلَ فِيهَا عَمَلاً لاَ يَحِلُّ لَهُ؛ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ، وَمَنْ لَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ فَلَمْ يَأْتِ بِالصَّلاَةِ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ. فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ نَاسِيًا فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لاَِنَّهُ زَادَ فِي صَلاَتِهِ نِسْيَانًا مَا لَوْ عَمَدَهُ لَبَطَلَتْ صَلاَتُهُ. وَأَمَّا إذَا تَأَمَّلَ عَوْرَةً أُبِيحَ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ الأَشْيَاءِ الَّتِي لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ وُقُوعِ النَّظَرِ عَلَى بَعْضِهَا فِي الصَّلاَةِ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مُبَاحٍ وَمُبَاحٍ. فَإِنْ اشْتَغَلَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ عَنْ صَلاَتِهِ عَمْدًا فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى، وَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وقال أبو حنيفة: يُصَلِّي الْعُرَاةُ فُرَادَى قُعُودًا يُومِئُونَ لِلسُّجُودِ وَالرُّكُوعِ فَإِنْ صَلَّوْا جَمَاعَةً أَجْزَأَهُمْ إلاَّ أَنَّهُمْ يَقْعُدُونَ وَيَقْعُدُ الإِمَامُ فِي وَسَطِهِمْ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِقَوْلِهِ: أَنَّهُمْ إنْ صَلَّوْا قِيَامًا أَجْزَأَهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ. وقال مالك: يُصَلُّونَ فُرَادَى، يَتَبَاعَدُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ قِيَامًا، فَإِنْ كَانُوا فِي لَيْلٍ مُظْلِمٍ صَلَّوْا فِي جَمَاعَةٍ قِيَامًا، يَقِفُ إمَامُهُمْ أَمَامَهُمْ. وقال الشافعي: يُصَلِّي الْعُرَاةُ فُرَادَى، أَوْ جَمَاعَةً قِيَامًا يَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ وَيَقُومُ إمَامُهُمْ وَسَطَهُمْ، وَيَغُضُّونَ أَبْصَارَهُمْ؛ وَيَصْرِفُ الرِّجَالُ وُجُوهَهُمْ عَنْ النِّسَاءِ، وَالنِّسَاءُ وُجُوهَهُنَّ عَنْ الرِّجَالِ، وَلاَ إعَادَةَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ. وَقَالَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ: يُصَلُّونَ قِيَامًا يَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ، وَلاَ يُجْزِيهِمْ غَيْرُ ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ كَقَوْلِنَا. قَالَ عَلِيٌّ: قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ خَطَأٌ؛ لاَِنَّهَا أَقْوَالٌ لَمْ تَخْلُ مِنْ إسْقَاطِ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً وَهَذَا لاَ يَجُوزُ. أَوْ مِنْ إسْقَاطِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَهَذَا بَاطِلٌ. أَوْ مِنْ إسْقَاطِ حَقِّ الإِمَامِ فِي تَقَدُّمِهِ؛ وَهَذَا لاَ يَجُوزُ. وَغَضُّ الْبَصَرِ يَسْقُطُ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ فِي هَذِهِ الْفُتْيَا. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَكْثَرُهَا تَنَاقُضًا. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ بِكُلِّ ذَلِكَ لاَ يُوَارُونَ جَمِيعَ عَوْرَاتِهِمْ مِنْ الأَفْخَاذِ وَغَيْرِهَا، فَكَيْفَ وَالنَّصُّ قَدْ وَرَدَ بِمَا. قلنا. حدثنا حمام، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنَ أَيْمَنَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ، حدثنا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو هُوَ الرَّقِّيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، إذَا سَجَدْتُنَّ فَاحْفَظُوا أَبْصَارَكُمْ، لاَ تَرَيْنَ عَوْرَاتِ الرِّجَالِ؛ مِنْ ضِيقِ الآُزُرِ. قَالَ عَلِيٌّ: هَكَذَا فِي كِتَابِي عَنْ حُمَامٍ، وَبِاَللَّهِ مَا لَحَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْلاَ أَنَّ مُمْكِنًا أَنْ يُخَاطِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النِّسَاءَ وَمَنْ مَعَهُنَّ مِنْ صِغَارِ أَوْلاَدِهِنَّ لَمَا كَتَبْنَاهُ إلاَّ " فَاخْفِضْنَ أَبْصَارَكُنَّ ". فَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْفُقَرَاءَ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، كَانُوا يُصَلُّونَ بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مِنْ اللِّبَاسِ مَا يُوَارِي عَوْرَتَهُمْ، وَلاَ يَتْرُكُونَ الْقُعُودَ، وَلاَ الرُّكُوعَ، وَلاَ السُّجُودَ؛ إلاَّ أَنَّ الأَمْرَ بِغَضِّ الْبَصَرِ لاَزِمٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَاسْتِقْبَالُ جِهَةِ الْكَعْبَةِ بِالْوَجْهِ وَالْجَسَدِ فَرْضٌ عَلَى الْمُصَلِّي حَاشَا الْمُتَطَوِّعَ رَاكِبًا، فَمَنْ كَانَ مَغْلُوبًا بِمَرَضٍ أَوْ بِجَهْدٍ أَوْ بِخَوْفٍ أَوْ بِإِكْرَاهٍ فَتُجْزِيهِ صَلاَتُهُ كَمَا يَقْدِرُ؛ وَيَنْوِي فِي كُلِّ ذَلِكَ التَّوَجُّهَ إلَى الْكَعْبَةِ بُرْهَانُ ذَلِكَ: قوله تعالى وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ فِي أَنَّ امْرَءًا لَوْ كَانَ بِمَكَّةَ بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَى اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ فِي صَلاَتِهِ: فَصَرَفَ وَجْهَهُ عَامِدًا عَنْهَا إلَى أَبْعَاضِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ خَارِجِهِ أَوْ مِنْ دَاخِلِهِ فَإِنَّ صَلاَتَهُ بَاطِلٌ، وَأَنَّهُ إنْ اسْتَجَازَ ذَلِكَ: كَافِرٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا التَّطَوُّعَ عَلَى الدَّابَّةِ قَبْلُ وَأَمَّا الْمَرِيضُ وَالْجَاهِلُ وَالْخَائِفُ وَالْمُكْرَهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ. وَيَلْزَمُ الْجَاهِلَ أَنْ يُصَدِّقَ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ مَنْ أَخْبَرَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ إذَا كَانَ يَعْرِفُهُ بِالصِّدْقِ؛ لاَِنَّ هَذَا لاَ سَبِيلَ لِمَنْ غَابَ عَنْ مَوْضِعِ الْقِبْلَةِ إلَى مَعْرِفَةِ جِهَتِهَا إلاَّ بِالْخَبَرِ، وَلاَ يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ. نَعَمْ، وَمَنْ كَانَ حَاضِرًا فِيهَا فَإِنَّهُ لاَ يَعْرِفُ أَنَّ هَذِهِ هِيَ الْكَعْبَةُ إلاَّ بِالْخَبَرِ، وَلاَ بُدَّ؛ وَهَذَا مِنْ الشَّرِيعَةِ الَّتِي قَدْ ذَكَرْنَا الْبُرْهَانَ عَلَى وُجُوبِ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ فِيهَا. فَمَنْ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى مَعْرِفَةِ جِهَتِهَا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، وَيُعِيدُ مَا كَانَ فِي الْوَقْتِ، إنْ كَانَ عَامِدًا، وَيُعِيدُ أَبَدًا إنْ كَانَ نَاسِيًا بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ هَذَيْنِ مُخَاطَبَانِ بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الصَّلاَةِ؛ فَصَلَّيَا بِخِلاَفِ مَا أُمِرَا بِهِ، وَلاَ يُجْزِئُ مَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَمَّا أَمَرَ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، فَقَدْ ذَكَرْنَا الْحُجَّةَ فِي أَمْرِ النَّاسِي قَبْلُ فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ: حَدِيثَ أَهْلِ قُبَاءَ، رضي الله عنهم،، وَأَنَّهُمْ ابْتَدَءُوا الصَّلاَةَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأَتَاهُمْ الْخَبَرُ: بِأَنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ إلَى الْكَعْبَةِ فَاسْتَدَارُوا كَمَا كَانُوا فِي صَلاَتِهِمْ إلَى الْكَعْبَةِ، وَاجْتَزَءُوا بِمَا صَلَّوْا إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِنْ تِلْكَ الصَّلاَةِ بِعَيْنِهَا. قلنا: هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، وَلاَ حُجَّةَ فِيهِ عَلَيْنَا، وَلاَ نُخَالِفُهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ: أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ ذَلِكَ فَأَقَرَّهُ، وَلاَ حُجَّةَ إلاَّ فِي الْقُرْآنِ، أَوْ فِي كَلاَمِهِ عليه السلام. أَوْ فِي عَمَلِهِ أَوْ فِيمَا عَلِمَ عليه السلام مِنْ عَمَلِ غَيْرِهِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ، وَإِنَّمَا الْعَجَبُ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ الَّذِينَ يُعَظِّمُونَ خِلاَفَ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ؛ ثُمَّ قَدْ خَالَفُوا هَهُنَا عَمَلَ طَائِفَةٍ عَظِيمَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ قَالَ عَلِيٌّ: أَهْلُ قُبَاءَ، رضي الله عنهم، كَانَ الْفَرْضُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُصَلُّوا إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؛ فَلَوْ أَنَّهُمْ صَلَّوْا إلَى الْكَعْبَةِ: لَبَطَلَتْ صَلاَتُهُمْ بِلاَ خِلاَفٍ. وَلاَ تَلْزَمُ الشَّرِيعَةُ إلاَّ مَنْ بَلَغَتْهُ، لاَ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا مَنْ بِالْحَبَشَةِ: فَلَعَلَّهُمْ صَلَّوْا عَامًا أَوْ أَعْوَامًا حَتَّى بَلَغَهُمْ تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ؛ فَحِينَئِذٍ لَزِمَهُمْ الْفَرْضُ، لاَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا لَزِمَ أَهْلَ قُبَاءَ التَّحَوُّلُ حِينَ بَلَغَهُمْ لاَ قَبْلَ ذَلِكَ فَانْتَقَلُوا عَنْ فَرْضِهِمْ إلَى فَرْضٍ نَاسِخٍ لَمَا كَانُوا عَلَيْهِ؛ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لاَ يَحِلُّ لاَِحَدٍ غَيْرِهِ، وَأَمَّا مَنْ بَلَغَهُ فَرْضُ تَحْوِيلِ الْكَعْبَةِ وَعِلْمِهِ وَكَانَ مُخَاطَبًا بِهِ وَلَمْ يَسْقُطْ تَكْلِيفُهُ عَنْهُ لِعُذْرٍ مَانِعٍ: فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ وَمَنْ لَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ فَلَمْ يُصَلِّ؛ لاَِنَّهُ لاَ يُجْزِئُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ عَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وقال أبو حنيفة: مَنْ صَلَّى فِي غَيْرِ مَكَّةَ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مُجْتَهِدًا وَلَمْ يَعْلَمْ إلاَّ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ أَجْزَأَتْهُ صَلاَتُهُ. فَإِنْ صَلَّى فِي ظُلْمَةٍ مُتَحَرِّيًا وَلَمْ يَسْأَلْ مَنْ بِحَضْرَتِهِ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ: أَعَادَ وَهُوَ فَرْقٌ فَاسِدٌ؛ لاَِنَّ التَّحَرِّيَ نَوْعٌ مِنْ الاِجْتِهَادِ، وقال مالك: مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ؛ فَإِنْ كَانَ مُسْتَدْبِرًا لَهَا: أَعَادَ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلاَةِ: قَطَعَ وَابْتَدَأَ. وَإِنْ كَانَ مُنْحَرِفًا إلَى شَرْقٍ أَوْ غَرْبٍ: لَمْ يُعِدْ، وَبَنَى عَلَى مَا صَلَّى وَانْحَرَفَ وَهَذَا فَرْقٌ فَاسِدٌ؛ لاَِنَّهُ لاَ فَرْقَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ فِي تَعَمُّدِ الاِنْحِرَافِ عَنْ الْقِبْلَةِ أَنَّهُ مُبْطِلٌ لِلصَّلاَةِ، وَكَبِيرَةٌ مِنْ الْكَبَائِرِ كَالاِسْتِدْبَارِ لَهَا، وَلاَ فَرْقَ، وَأَهْلُ قُبَاءَ كَانُوا مُسْتَدْبِرِينَ إلَى الْقِبْلَةِ.، وَلاَ نَعْلَمُ هَذَا التَّفْرِيقَ الَّذِي فَرَّقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمَا، وقال الشافعي: مَنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ الدَّلاَئِلُ وَالْمَحْبُوسُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالأَعْمَى الَّذِي لاَ دَلِيلَ لَهُ: يُصَلُّونَ إلَى أَيِّ جِهَةٍ أَمْكَنَهُمْ، وَيُعِيدُونَ إذَا قَدَرُوا عَلَى مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ. قال علي: وهذا خَطَأٌ؛ لاَِنَّهُ إذَا أَمَرَهُ بِالصَّلاَةِ لاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُمْ بِصَلاَةٍ تُجْزِئُ عَنْهُمْ كَمَا أَمَرَهُمْ اللَّهُ بِهَا أَوْ أَمَرَهُمْ بِصَلاَةٍ لاَ تُجْزِئُ عَنْهُمْ، وَلاَ أَمَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا، وَلاَ سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ: فَإِنْ كَانَ أَمَرَهُمْ بِصَلاَةِ تُجْزِئُ عَنْهُمْ، وَبِاَلَّتِي أَمَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا؛ فَلاَِيِّ مَعْنًى يُصَلُّونَهَا ثَانِيَةً، وَإِنْ كَانَ أَمَرَهُمْ بِصَلاَةٍ لاَ تُجْزِئُ عَنْهُمْ، وَلاَ أَمَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا؛ فَهَذَا أَمْرٌ فَاسِدٌ، وَلاَ يَحِلُّ لاِمِرِهِ الأَمْرُ بِهِ، وَلاَ لِلْمَأْمُورِ بِهِ الاِئْتِمَارُ بِهِ، وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: تُجْزِئُهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَيَبْنُونَ إذَا عَرَفُوا وَهُمْ فِي الصَّلاَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ آنِفًا. فإن قال قائل، قَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةَ فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا حِيَالَهُ، فَأَصْبَحْنَا: فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}. وَعَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: كُنَّا فِي سَرِيَّةٍ فَأَصَابَتْنَا ظُلْمَةٌ فَلَمْ نَعْرِفْ الْقِبْلَةَ فَذَكَرَ: أَنَّهُمْ خَطُّوا خُطُوطَهُمْ فِي جِهَاتِ اخْتِلاَفِهِمْ؛ فَلَمَّا أَصْبَحُوا أَصَبْنَا تِلْكَ الْخُطُوطَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَسَأَلْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} فَإِنَّ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ لاَ يَصِحَّانِ؛ لاَِنَّ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ لَمْ يَرْوِهِ إلاَّ عَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَلَمْ يَرْوِ حَدِيثَ جَابِرٍ إلاَّ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ الْعَرْزَمِيُّ عَنْ عَطَاءٍ، وَعَاصِمٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ سَاقِطَانِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّا لَكَانَا حُجَّةً لَنَا؛ لاَِنَّ هَؤُلاَءِ جَهِلُوا، وَصَلاَةُ الْجَاهِلِ تَامَّةٌ؛ وَلَيْسَ النَّاسِي كَذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالنِّيَّةُ فِي الصَّلاَةِ فَرْضٌ: إنْ كَانَتْ فَرِيضَةً: نَوَاهَا بِاسْمِهَا وَإِلَى الْكَعْبَةِ فِي نَفْسِهِ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِالتَّكْبِيرِ، مُتَّصِلَةً بِنِيَّةِ الإِحْرَامِ، لاَ فَصْلَ بَيْنَهُمَا أَصْلاً، وَإِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا نَوَى كَذَلِكَ: أَنَّهَا تَطَوُّعٌ؛ فَمَنْ لَمْ يَنْوِ كَذَلِكَ فَلاَ صَلاَةَ لَهُ بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ قَبْلُ. وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وقال مالك: يَجُوزُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلاَةِ، وَلاَ بُدَّ لِمَنْ قَالَ بِهَذَا مِنْ تَحْدِيدِ مِقْدَارِ مُدَّةِ التَّقَدُّمِ الَّذِي تَجُوزُ بِهِ الصَّلاَةُ، وَاَلَّذِي تَبْطُلُ بِهِ الصَّلاَةُ، وَإِلاَّ فَهُمْ عَلَى عَمًى فِي ذَلِكَ، وقال الشافعي: لاَ تُجْزِئُ النِّيَّةُ إلاَّ مُخَالِطَةً لِلتَّكْبِيرِ، لاَ قَبْلَهُ، وَلاَ بَعْدَهُ؛ وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَاَلَّذِي قُلْنَاهُ هُوَ قَوْلُ دَاوُد، وَأَبِي حَنِيفَةَ. إلاَّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يُجِزْ الصَّلاَةَ إلاَّ بِنِيَّةٍ لَهَا؛ وَأَجَازَ الْوُضُوءَ لَهَا بِلاَ نِيَّةٍ؛ وَهَذَا تَنَاقُضٌ. فَإِنْ انْصَرَفَتْ نِيَّتُهُ فِي الصَّلاَةِ نَاسِيًا إلَى غَيْرِهَا، أَوْ إلَى تَطَوُّعٍ، أَوْ إلَى خُرُوجٍ عَنْ الصَّلاَةِ: أَلْغَى مَا عَمِلَ مِنْ فُرُوضِ صَلاَتِهِ كَذَلِكَ وَبَنَى عَلَى مَا عَمِلَ بِالنِّيَّةِ الصَّحِيحَةِ وَأَجْزَأَهُ، ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ إلاَّ فِي عَمَلٍ مِنْ صَلاَتِهِ لَوْ تَرَكَهُ لَمْ تَبْطُلْ بِتَرْكِهِ الصَّلاَةَ لَمْ يَلْزَمْهُ إلاَّ سُجُودُ السَّهْوِ فَقَطْ؛ لاَِنَّهُ قَدْ وَفَّى جَمِيعَ الأَعْمَالِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا فِي الصَّلاَةِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ إلاَّ أَنَّهُ زَادَ فِي صَلاَتِهِ نَاسِيًا عَمَلاً لَوْ زَادَهُ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلاَتُهُ؛ وَفِي هَذَا يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ. وَالإِحْرَامُ بِالتَّكْبِيرِ: فَرْضٌ، لاَ تُجْزِئُ الصَّلاَةُ إلاَّ بِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ. فَقَدْ أُمِرَ بِتَكْبِيرِ الإِحْرَامِ، فَمَنْ تَرَكَهُ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ، وَمَنْ لَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ فَلَمْ يُصَلِّ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِإِيجَابِ التَّكْبِيرِ لِلإِحْرَامِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَدَاوُد. وقال أبو حنيفة: يُجْزِئُ عَنْ التَّكْبِيرِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى كَيْفَ ذَكَرَ، مِثْلُ " اللَّهُ أَعْظَمُ " وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَأَجَازُوا ذَلِكَ أَيْضًا فِي الأَذَانِ. وَلَمْ يُجِيزُوا الصَّلاَةَ إذَا اُفْتُتِحَتْ بِ " اللَّهُ أَعْلَمُ ". وَهَذَا تَخْلِيطٌ وَهَدْمٌ لِلإِسْلاَمِ، وَشَرَائِعُ جَدِيدَةٌ فَاسِدَةٌ، قَالَ عَلِيٌّ: وَاحْتَجَّ مُقَلِّدُوهُ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: قَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ فِي هَذِهِ الآيَةِ عَمَلُ الصَّلاَةِ وَصِفَتُهَا وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ: فِيهِ عَمَلُ الصَّلاَةِ الَّتِي لاَ تُجْزِئُ إلاَّ بِهِ، فَلاَ يُعْتَرَضُ بِالآيَةِ عَلَيْهِ؛ بَلْ فِي الآيَةِ دَلِيلٌ أَنَّ ذَلِكَ الذِّكْرَ لاِسْمِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ غَيْرُ الصَّلاَةِ؛ لاَِنَّهُ تَعَالَى قَالَ: فَصَلَّى فَعَطَفَ الصَّلاَةَ عَلَى ذِكْرِ اسْمِهِ؛ فَصَحَّ أَنَّهُ قَبْلَ الصَّلاَةِ؛ مِثْلُ قوله تعالى: وَيُجْزِئُ فِي التَّكْبِيرِ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَاَللَّهُ الأَكْبَرُ، وَالأَكْبَرُ اللَّهُ، وَالْكَبِيرُ اللَّهُ، وَاَللَّهُ الْكَبِيرُ، وَالرَّحْمَنُ أَكْبَرُ وَأَيُّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ذَكَرْنَا بِالتَّكْبِيرِ. وَلاَ يُجْزِئُ غَيْرُ هَذِهِ الأَلْفَاظِ؛ لأََنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " فَكَبِّرْ ". وَكُلُّ هَذَا تَكْبِيرٌ، وَلاَ يَقَعُ عَلَى غَيْرِ هَذَا لَفْظُ: " التَّكْبِيرِ "؛ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَدَاوُد وقال مالك: لاَ يُجْزِئُ إِلاَّ " اللَّهُ أَكْبَرُ " وَهَذَا تَخْصِيصٌ لِلتَّكْبِيرِ بِلاَ بُرْهَانٍ، وَقَدْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ: أَنَّ فِي الْحَدِيثِ: " إذَا قُمْت إلَى الصَّلاَةِ فَقُلْ: اللَّهُ أَكْبَرُ " قال علي: وهذا بَاطِلٌ مَا عُرِفَ قَطُّ؛ وَلَوْ وَجَدْنَاهُ صَحِيحًا لَقُلْنَا بِهِ. فَإِنْ قَالُوا: بِهَذَا جَرَى عَمَلُ النَّاسِ، قلنا لَهُمْ: مَا جَرَى عَمَلُ النَّاسِ إِلاَّ بِتَرْتِيبِ الْوُضُوءِ كَمَا فِي الآيَةِ، وَأَنْتُمْ تُجِيزُونَ تَنْكِيسَهُ، وَمَا جَرَى عَمَلُ النَّاسِ قَطُّ فِي الْوُضُوءِ إِلاَّ بِالأَسْتِنْشَاقِ وَالأَسْتِنْثَارِ مَعَ صِحَّتِهِ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: مَنْ تَرَكَهَا فَوُضُوءُهُ تَامٌّ وَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ؛ وَمَا جَرَى عَمَلُ النَّاسِ قَطُّ إِلاَّ بِقِرَاءَةِ سُورَةٍ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الصُّبْحِ وَالْأُولَيَيْنِ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْبَوَاقِي، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنْ تَرَكَ السُّورَةَ فَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ. وَمَا جَرَى عَمَلُ الْأُمَّةِ إِلاَّ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ مَعَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ. وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنْ لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ فَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ؛ فَتَرَى الْعَمَلَ إنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً إذَا شِئْتُمْ، لاَ إذَا لَمْ تَشَاءُوا، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ لِلتَّكْبِيرِ مَعَ الإِحْرَامِ فِي أَوَّلِ الصَّلاَةِ: فَرْضٌ، لاَ تُجْزِئُ الصَّلاَةُ إلاَّ بِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، حدثنا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، حدثنا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ وَلِمَنْ مَعَهُ: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى حَاذَى بِهِمَا أُذُنَيْهِ. حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلاَةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. فإن قيل: فَهَلاَّ أَوْجَبْتُمْ بِهَذَا الاِسْتِدْلاَلِ نَفْسِهِ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ كُلِّ رَفْعٍ وَخَفْضٍ فَرْضًا قلنا: لاَِنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، وَأَنَّهُ كَانَ لاَ يَرْفَعُ. حدثنا حمام، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنَ أَيْمَنَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَبُو خَيْثَمَةَ، حدثنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَلاَ أُرِيكُمْ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ لَمْ يَعُدْ. فَلَمَّا صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَرْفَعُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ، وَلاَ يَرْفَعُ، كَانَ كُلُّ ذَلِكَ مُبَاحًا لاَ فَرْضًا، وَكَانَ لَنَا أَنْ نُصَلِّيَ كَذَلِكَ، فَإِنْ رَفَعْنَا صَلَّيْنَا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، وَإِنْ لَمْ نَرْفَعْ فَقَدْ صَلَّيْنَا كَمَا كَانَ عليه السلام يُصَلِّي وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ سَمِعْت نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ يَقُولُ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا رَأَى مُصَلِّيًا لاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الصَّلاَةِ حَصَبَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ قَالَ عَلِيٌّ: مَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ لِيُحَصِّبَ مَنْ تَرَكَ مَا لَهُ تَرْكُهُ، وَقَدْ رُوِيَ إيجَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الإِحْرَامِ لِلصَّلاَةِ فَرْضًا عَنْ الأَوْزَاعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ: فَرْضٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ كُلِّ صَلاَةٍ إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا وَالْفَرْضُ وَالتَّطَوُّعُ سَوَاءٌ، وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ سَوَاءٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حدثنا الزُّهْرِيُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ. فإن قيل: فَمِنْ أَيْنَ أَوَجَبْتُمُوهَا فَرْضًا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. قلنا: لِمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ، حدثنا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَ حَدِيثَ الَّذِي أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعِيدَ الصَّلاَةَ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لاَ يُحْسِنُ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قُمْت إلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا ". فَوَجَبَ بِهَذَا الأَمْرِ فَرْضًا أَنْ يَفْعَلَ فِي بَاقِي صَلاَتِهِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِثْلَ هَذَا. وَلاَ يَجُوزُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقْرَأَ خَلْفَ الإِمَامِ شَيْئًا غَيْرَ أُمِّ الْقُرْآنِ: لِمَا حَدَّثَنَا حمام، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمٍ، حدثنا أَبُو ثَوْرِ إبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: تَقْرَءُونَ خَلْفِي قلنا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا، قَالَ: لاَ تَفْعَلُوا إلاَّ بِأُمِّ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ لاَ صَلاَةَ إلاَّ بِهَا. وَمِمَّنْ قَالَ بِإِيجَابِ أُمِّ الْقُرْآنِ كَمَا ذَكَرْنَا جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ جَوَّابِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ شَرِيكٍ، أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَقْرَأُ خَلْفَ الإِمَامِ قَالَ لَهُ عُمَرُ: نَعَمْ، قَالَ: وَإِنْ قَرَأْت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: نَعَمْ، وَإِنْ قَرَأْت. وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رَدَّادٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: لاَ تَجُوزُ، وَلاَ تُجْزِئُ صَلاَةٌ إلاَّ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَشَيْءٍ مَعَهَا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَرَأَيْت إنْ كُنْت خَلْفَ إمَامٍ أَوْ بَيْنَ يَدَيْ إمَامٍ قَالَ: اقْرَأْ فِي نَفْسِك وَعَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ عُمَرَ قَالَ: لاَ تُجْزِئُ صَلاَةٌ، أَوْ لاَ تَجُوزُ صَلاَةٌ لاَ يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةُ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَ: صَلَّيْت صَلاَةً وَإِلَى جَنْبِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَقَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْت: أَبَا الْوَلِيدِ، أَلَمْ أَسْمَعْك قَرَأْت فَاتِحَةَ الْكِتَابِ قَالَ: أَجَلْ، إنَّهُ لاَ صَلاَةَ إلاَّ بِهَا وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الْعَيْزَارِ بْنِ حُرَيْثٍ عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اقْرَأْ خَلْفَ الإِمَامِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لاَ بُدَّ أَنْ يَقْرَأَ خَلْفَ الإِمَامِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ؛ جَهَرَ أَوْ لَمْ يَجْهَرْ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يَدَعُ أَنْ يَقْرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ. وَعَنْ غَيْرِهِمْ أَيْضًا. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزٍ الأَعْرَجِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ: اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، أَوْ يَقُولُ فِي كُلِّ صَلاَةٍ. وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَيْضًا. وَعَنْ مُعَاذٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنْ كَانَ خَلْفَ الإِمَامِ فَجَهَرَ أَوْ لَمْ يَجْهَرْ فَلاَ بُدَّ مِنْ قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ. وَعَنْ حَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حدثنا أَبُو هِلاَلٍ الرَّاسِبِيُّ قَالَ: سَأَلَ جَارٌ لَنَا الْحَسَنَ قَالَ: أَكُونُ خَلْفَ الإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلاَ أَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ قَالَ: اقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، قَالَ الرَّجُلُ: وَسُورَةٍ قَالَ: يَكْفِيك ذَلِكَ الإِمَامُ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: لِلإِمَامِ سَكْتَتَانِ فَاغْتَنَمُوا الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، حِينَ يُكَبِّرُ الإِمَامُ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ وَحِينَ يَقُولُ :، وَلاَ الضَّالِّينَ. وَالرِّوَايَاتُ هَهُنَا تَكْثُرُ جِدًّا وقال أبو حنيفة: لَيْسَ قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ فَرْضًا، وَإِنْ قَرَأَ الإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ مِثْلَ: " آيَةِ الدَّيْنِ " وَنَحْوِهَا وَلَمْ يَقْرَأْ أُمَّ الْكِتَابِ أَجْزَأَهُ وَالْقِرَاءَةُ عِنْدَهُ فَرْضٌ فِي رَكْعَتَيْنِ مِنْ الصَّلاَةِ فَقَطْ إمَّا الآُولَيَيْنِ أَوْ الآُخْرَيَيْنِ، وَأَمَّا وَاحِدَةٌ فِي الآُولَيَيْنِ وَوَاحِدَةٌ فِي الآُخْرَيَيْنِ، وَلاَ يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ شَيْئًا أَصْلاً، أَجْهَرَ الإِمَامُ أَوْ أَسَرَّ. وقال مالك: قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ فَرْضٌ فِي جُمْهُورِ الصَّلاَةِ عَلَى الإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ فَإِنْ تَرَكَاهُ فِي رَكْعَةٍ، فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ، فَمَرَّةً رَأَى أَنْ يُلْغِيَ الرَّكْعَةَ وَيَأْتِيَ بِأُخْرَى وَمَرَّةً رَأَى أَنْ يُجْزِئَ عَنْهُ سُجُودُ السَّهْوِ. وَأَجَازَ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقْرَأَ خَلْفَ الإِمَامِ أُمَّ الْقُرْآنِ وَسُورَةً إذَا أَسَرَّ الإِمَامُ فِي الآُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبِأُمِّ الْقُرْآنِ وَحْدَهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ يُسِرُّ فِيهَا مِنْ كُلِّ صَلاَةٍ. وَاخْتَارَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَرَ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ يَجْهَرُ فِيهَا الإِمَامُ. وقال الشافعي فِي آخِرِ قَوْلَيْهِ كَقَوْلِنَا وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: فَرْضٌ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يَقْرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَسَرَّ الإِمَامُ أَوْ جَهَرَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هَذَا فَرْضٌ عَلَيْهِ فِيمَا أَسَرَّ فِيهِ الإِمَامُ خَاصَّةً، وَلاَ يَقْرَأُ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ الإِمَامُ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي وُجُوبِ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ فَرْضًا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَلَى الإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ. قَالَ عَلِيٌّ: احْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ أُمَّ الْقُرْآنِ فَرْضًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: قَالَ عَلِيٌّ: حَدِيثُ عُبَادَةَ يُبَيِّنُ هَذَا الْخَبَرَ الآخَرَ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِإِيجَابِ قِرَاءَتِهِ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ: هُوَ أُمُّ الْقُرْآنِ فَقَطْ. وَكَأَنَّ مَنْ غَلَّبَ حَدِيثَ عُبَادَةَ قَدْ أَخَذَ بِالآيَةِ وَبِالأَخْبَارِ كُلِّهَا؛ لاَِنَّ أُمَّ الْقُرْآنِ مِمَّا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ. وَكَأَنَّ مَنْ غَلَّبَ قَوْلَهُ عليه السلام: فَاقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ قَدْ خَالَفَ حَدِيثَ عُبَادَةَ؛ وَأَجَازَ صَلاَةً أَبْطَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله تعالى عليه وسلم وَهَذَا لاَ يَجُوزُ، لاَ سِيَّمَا تَقْسِيمُ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ إجَازَتِهِ قِرَاءَةَ آيَةٍ طَوِيلَةٍ، أَوْ ثَلاَثِ آيَاتٍ، وَمَنْعِهِ مِمَّا دُونِهَا. فَهَذَا قَوْلٌ مَا حُفِظَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلاَ عَلَى صِحَّتِهِ دَلِيلٌ؛ وَهُوَ خِلاَفٌ لِلْقُرْآنِ، وَلِجَمِيعِ الآثَارِ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ: إنَّ مَا قَرَأَ مِنْ الْقُرْآنِ أَجْزَأَهُ وَاحْتَجَّ مِنْ رَأَى: أَنْ لاَ يَقْرَأَ الْمَأْمُومُ خَلْفَ الإِمَامِ الْجَاهِرِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: قَالَ عَلِيٌّ: وَتَمَامُ الآيَةِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ لاَِنَّ اللَّهَ قَالَ: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ، وَلاَ تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ كَانَ أَوَّلُ الآيَةِ فِي الصَّلاَةِ فَآخِرُهَا فِي الصَّلاَةِ؛ وَإِنْ كَانَ آخِرُهَا لَيْسَ فِي الصَّلاَةِ فَأَوَّلُهَا لَيْسَ فِي الصَّلاَةِ؛ وَلَيْسَ فِيهَا إلاَّ الأَمْرُ بِالذِّكْرِ سِرًّا وَتَرْكُ الْجَهْرِ فَقَطْ؛ وَهَكَذَا نَقُولُ وَذَكَرُوا حَدِيثَ ابْنِ أُكَيْمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَالِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ وَفِيهِ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ: فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله تعالى عليه وسلم مِنْ الْقِرَاءَةِ. وَهَذَا حَدِيثٌ انْفَرَدَ بِهِ ابْنُ أُكَيْمَةَ وَقَالُوا: هُوَ مَجْهُولٌ؛ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لاَِنَّ الأَخْبَارَ وَاجِبٌ أَنْ يُضَمَّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، وَحَرَامٌ أَنْ يُضْرَبَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ؛ لاَِنَّ كُلَّ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله تعالى عليه وسلم فَهُوَ كُلُّهُ حَقٌّ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَلاَ يُخَالِفُ بَعْضُهُ بَعْضًا فَالْوَاجِبُ أَنْ يُؤْخَذَ كَلاَمُهُ عليه السلام كُلُّهُ بِظَاهِرِهِ كَمَا هُوَ، كَمَا قَالَهُ عليه السلام؛ لاَ يُزَادُ فِيهِ شَيْءٌ، وَلاَ يُنْقَصُ مِنْهُ شَيْءٌ، فَلاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَلاَ يُنَازِعُ الْقُرْآنَ، وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ؛ وَمَا عَدَا هَذَا فَزِيَادَةٌ فِي كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُقْصَانٌ مِنْهُ، وَذَكَرُوا أَيْضًا: حَدِيثًا صَحِيحًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَجْلاَنَ فِيهِ إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ. فَهَذَا خَبَرٌ أَوَّلُ مَنْ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ ذِكْرِهِ مِنْ مُخَالِفَةِ هَذَا الْحَدِيثِ: الْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ؛ لاَِنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لاَِكْثَرَ مَا فِيهِ؛ فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ التَّكْبِيرَ إثْرَ تَكْبِيرِ الإِمَامِ: لاَ مَعَهُ لِلإِحْرَامِ خَاصَّةً. ثُمَّ يَرَوْنَ سَائِرَ التَّكْبِيرِ وَالرَّفْعِ وَالْخَفْضِ مَعَ الإِمَامِ: لاَ قَبْلَهُ، وَلاَ بَعْدَهُ؛ وَهَذَا خِلاَفُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: وَفِيهِ إذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا فَخَالَفُوهُ إلَى خَبَرٍ كَاذِبٍ لاَ يَصِحُّ، وَإِلَى ظَنٍّ غَيْرِ مَوْجُودٍ، فَمِنْ الْعَجَبِ أَنْ يَحْتَجُّوا بِقَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ قَضَايَاهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا وَيَتْرُكُوا سَائِرَ قَضَايَاهُ الَّتِي لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهَا. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّهُ عِنْدَنَا صَحِيحٌ، وَبِهِ كُلُّهُ نَأْخُذُ، لاَِنَّ تَأْلِيفَ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَمَّ بَعْضِهِ إلَى بَعْضٍ وَالأَخْذَ بِجَمِيعِهِ: فَرْضٌ لاَ يَحِلُّ سِوَاهُ. وَقَدْ قَالَ عليه السلام: " إذَا قَرَأَ الإِمَامُ فَأَنْصِتُوا وَ لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَلاَ بُدَّ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الأَوَامِرِ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا: إمَّا أَنْ يَكُونَ وَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: إذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا، إلاَّ عَنْ أُمِّ الْقُرْآنِ كَمَا. قلنا نَحْنُ وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ وَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، إلاَّ إنْ قَرَأَ الإِمَامُ كَمَا يَقُولُ بَعْضُ الْقَائِلِينَ، وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ وَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، إلاَّ أَنْ يَجْهَرَ الإِمَامُ كَمَا يَقُولُ آخَرُونَ، قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذْ لاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ؛ فَلَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ إلاَّ بِبُرْهَانٍ، وَأَمَّا بِدَعْوَى فَلاَ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الْحَدِيثَ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ انْصَرَفَ مِنْ صَلاَةِ الْفَجْرِ، وَهِيَ صَلاَةُ جَهْرٍ فَقَالَ: أَتَقْرَءُونَ خَلْفِي قَالُوا: نَعَمْ؛ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ قَالَ: لاَ تَفْعَلُوا إلاَّ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ لاَ صَلاَةَ إلاَّ بِهَا فَكَانَ هَذَا كَافِيًا فِي تَأْلِيفِ أَوَامِرِهِ عليه السلام؛ لاَ يَسَعُ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْهُ. وَقَدْ مَوَّهَ قَوْمٌ بِأَنْ قَالُوا: هَذَا خَبَرٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَرَوَاهُ مَكْحُولٌ مَرَّةً عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ؛ وَمَرَّةً عَنْ نَافِعَ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ قال علي: وهذا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لاَِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ أَحَدُ الأَئِمَّةِ، وَثَّقَهُ الزُّهْرِيُّ وَفَضَّلَهُ عَلَى مَنْ بِالْمَدِينَةِ فِي عَصْرِهِ وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَسُفْيَانُ وَحَمَّادٌ؛ وَحَمَّادٌ وَيَزِيدُ، وَيَزِيدُ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِيهِ شُعْبَةُ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَمِيرُ الْمُحَدِّثِينَ، هُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ وَالْعَجَبُ أَنَّ الطَّاعِنِينَ عَلَيْهِ هَهُنَا هُمْ الَّذِينَ احْتَجُّوا بِرِوَايَتِهِ الَّتِي لَمْ يَرْوِهَا غَيْرُهُ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بِالنِّكَاحِ الأَوَّلِ بَعْدَ إسْلاَمِهِ، فَإِذَا رَوَى مَا يَظُنُّونَ أَنَّهُ يُوَافِقُ تَقْلِيدَهُمْ: صَارَ ثِقَةً، وَصَارَ حَدِيثُهُ حُجَّةً؛ وَإِذَا رَوَى مَا يُخَالِفُهُمْ: صَارَ مُجَرَّحًا وَ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَأَمَّا رِوَايَةُ مَكْحُولٍ هَذَا الْخَبَرَ مَرَّةً عَنْ مَحْمُودٍ وَمَرَّةً عَنْ نَافِعِ بْنِ مَحْمُودٍ فَهَذَا قُوَّةٌ لِلْحَدِيثِ لاَ وَهْنٌ؛ لاَِنَّ كِلَيْهِمَا ثِقَةٌ. وَحَتَّى لَوْ لَمْ يَأْتِ هَذَا الْخَبَرُ لَمَا وَجَبَ بِقَوْلِهِ عليه السلام: إذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا إلاَّ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ حِينَ قِرَاءَتِهِ، وَيَبْقَى وُجُوبُ قِرَاءَتِهَا فِي سَكَتَاتِ الإِمَامِ فَكَيْفَ وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ: يَعْنِي إذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا قَدْ أَنْكَرَهَا كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَقَالُوا: إنَّ مُحَمَّدَ بْنَ غَيْلاَنَ أَخْطَأَ فِي إيرَادِهَا، وَلَيْسَتْ مِنْ الْحَدِيثِ، قَالَ ذَلِكَ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ نَقُولُ فِيمَا رَوَاهُ الثِّقَةُ: إنَّهُ خَطَأٌ؛ إلاَّ بِبُرْهَانٍ وَاضِحٍ؛ لَكِنَّ وَجْهَ الْعَمَلِ هُوَ مَا أَرَدْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَ التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ: وقال بعضهم: مَعْنَى قَوْلِهِ عليه السلام: لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ إنَّمَا مَعْنَاهُ لاَ صَلاَةَ كَامِلَةً، كَمَا جَاءَ لاَ إيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ قال علي: وهذا لاَ مُتَعَلَّقٌ لَهُمْ بِهِ، لاَِنَّهُ إذَا لَمْ تَتِمَّ صَلاَةٌ أَوْ لَمْ تَكْمُلْ: فَلاَ صَلاَةَ لَهُ أَصْلاً؛ إذْ بَعْضُ الصَّلاَةِ لاَ يَنُوبُ عَنْ جَمِيعِهَا. وَكَذَلِكَ مَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ؛ فَالأَمَانَةُ: هِيَ الشَّرِيعَةُ كُلُّهَا؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً}. فَنَعَمْ: مَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ فَلاَ إيمَانَ لَهُ؛ وَمَنْ لاَ شَرِيعَةَ لَهُ فَلاَ دِينَ لَهُ هَذَا ظَاهِرُ اللَّفْظَيْنِ الَّذِي لاَ يَحِلُّ صَرْفُهُمَا عَنْهُ. وَقَدْ أَقْدَمَ آخَرُونَ فَقَالُوا: مَعْنَى قَوْلِهِ عليه السلام: لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ إنَّمَا هُوَ عَلَى التَّغْلِيظِ قال علي: وهذا تَكْذِيبٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُجَرَّدٌ. وَمَنْ كَذَّبَهُ عليه السلام: فَقَدْ كَفَرَ، وَلاَ أَعْظَمُ مِنْ كُفْرِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ النَّبِيَّ صلى الله تعالى عليه وسلم غَلَّظَ بِهَذَا الْقَوْلِ وَلَيْسَ هُوَ حَقًّا. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ سَاقِطَةٌ كُلُّهَا فِيهَا مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَإِنَّ قِرَاءَةَ الإِمَامُ لَهُ قِرَاءَةٌ وَفِي بَعْضِهَا " مَا أَرَى الإِمَامُ إلاَّ قَدْ كَفَّاهُ ". وَكُلُّهَا إمَّا مُرْسَلٌ؛ وَأَمَّا مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ الْكَذَّابِ، وَأَمَّا عَنْ مَجْهُولٍ وَلَوْ صَحَّتْ كُلُّهَا لَكَانَ قَوْلُهُ عليه السلام: لاَ تَفْعَلُوا إلاَّ بِأُمِّ الْقُرْآنِ كَافِيًا فِي تَأْلِيفِ جَمِيعِهَا، فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ: حَدِيثًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ، حدثنا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعْدٍ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَقْرَأَ فِي صَلاَتِنَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَمَا تَيَسَّرَ فَإِنَّهُ عليه السلام لَمْ يَقُلْ: وَمَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ؛ فَإِذَا لَمْ يَقُلْهُ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى سَائِرِ الذِّكْرِ. وَهَكَذَا نَقُولُ بِوُجُوبِ الذِّكْرِ فِي الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَوُجُوبِ التَّكْبِيرِ. عَلَى أَنَّنَا قَدْ رُوِّينَا عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ: لاَ تَتِمُّ صَلاَةٌ إلاَّ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَثَلاَثِ آيَاتٍ فَصَاعِدًا، وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رَدَّادٍ سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: لاَ تُجْزِئُ صَلاَةٌ إلاَّ بِآيَتَيْنِ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ فَإِنْ كُنْت خَلْفَ إمَامٍ فَاقْرَأْ فِي نَفْسِك. وَقَدْ رُوِّينَا خِلاَفَ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ وَقَدْ صَلَّى الْمَغْرِبَ بِالنَّاسِ وَلَمْ يَقْرَأْ شَيْئًا: أَلَيْسَ قَدْ أَتْمَمْت الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ. قَالُوا: بَلَى؛ فَلَمْ يُعِدْ الصَّلاَةَ وَمِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّ رَجُلاً جَاءَ فَقَالَ: إنِّي صَلَّيْت وَلَمْ أَقْرَأْ، قَالَ: أَتْمَمْت الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ قَالَ لَهُ: نَعَمْ؛ قَالَ لَهُ عَلِيٌّ: تَمَّتْ صَلاَتُك؛ مَا كُلُّ أَحَدٍ يُحْسِنُ أَنْ يَقْرَأَ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ: لاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَمَنْ دَخَلَ خَلْفَ إمَامٍ فَبَدَأَ بِقِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ فَرَكَعَ الإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ هَذَا الدَّاخِلُ أُمَّ الْقُرْآنِ فَلاَ يَرْكَعُ حَتَّى يُتِمَّهَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؛ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْمَا أَسْبِقُكُمْ بِهِ إذَا رَكَعْتُ تُدْرِكُونِي بِهِ إذَا رَفَعْتُ وَسَنَذْكُرُهُ بِإِسْنَادِهِ فِي بَابِ وُجُوبِ أَنْ لاَ يَرْفَعَ الْمَأْمُومُ رَأْسَهُ قَبْلَ إمَامِهِ، وَلاَ مَعَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَإِنْ جَاءَ وَالإِمَامُ رَاكِعٌ فَلْيَرْكَعْ مَعَهُ، وَلاَ يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ؛ لاَِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ الْقِيَامَ، وَلاَ الْقِرَاءَةَ؛ وَلَكِنْ يَقْضِيهَا إذَا سَلَّمَ الإِمَامُ، فَإِنْ خَافَ جَاهِلاً فَلْيَتَأَنَّ حَتَّى يَرْفَعَ الإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَيُكَبِّرْ حِينَئِذٍ. وَقَالَ قَائِلُونَ، إنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ مَعَ الإِمَامِ اعْتَدَّ بِهَا. وَاحْتَجُّوا بِآثَارٍ ثَابِتَةٍ؛ إلاَّ أَنَّهُمْ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وَهِيَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلاَةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ. وَقَوْلُهُ عليه السلام: مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلاَةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ السَّجْدَةَ. وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ: أَنَّهُ جَاءَ وَالْقَوْمُ رُكُوعٌ، فَرَكَعَ ثُمَّ مَشَى إلَى الصَّفِّ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَتَهُ قَالَ: أَيُّكُمْ الَّذِي رَكَعَ ثُمَّ جَاءَ إلَى الصَّفِّ فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: أَنَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله تعالى عليه وسلم زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا، وَلاَ تَعُدْ. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلاَةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ فَحَقٌّ؛ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ لاَِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لاَ يَسْقُطُ عَنْهُ قَضَاءُ مَا لَمْ يُدْرِكْ مِنْ الصَّلاَةِ هَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ؛ وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ: أَنَّهُ إنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ: فَقَدْ أَدْرَكَ الْوَقْفَةَ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عليه السلام: مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ: فَقَدْ أَدْرَكَ السَّجْدَةَ حَقٌّ لاَ شَكَّ فِيهِ؛ وَلَمْ يَقُلْ: إنَّهُ إنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الْوَقْفَةَ الَّتِي قَبْلَ الرُّكُوعِ؛ فَلاَ يَجُوزُ لاَِحَدٍ أَنْ يُقْحِمَ فِي كَلاَمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَيْسَ فِيهِ، فَيَقُولُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلاً؛ لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ اجْتَزَأَ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَقْضِهَا فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ جُمْلَةً، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. فَإِذْ قَدْ سَقَطَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ الآثَارِ فَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، حدثنا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ائْتُوا الصَّلاَةَ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةَ، فَصَلُّوا مَا أَدْرَكْتُمْ، وَاقْضُوا مَا سَبَقَكُمْ. وَصَحَّ عَنْهُ أَيْضًا عليه السلام: مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا وَبِيَقِينٍ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ: أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الإِمَامَ فِي أَوَّلِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ: فَقَدْ فَاتَتْهُ الآُولَى كُلُّهَا. وَأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ الآُولَى: فَقَدْ فَاتَتْهُ وَقْفَةٌ، وَرُكُوعٌ، وَرَفْعٌ، وَسَجْدَةٌ، وَجُلُوسٌ، وَأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْجَلْسَةَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: فَقَدْ فَاتَهُ الْوَقْفَةُ، وَالرُّكُوعُ، وَالرَّفْعُ، وَسَجْدَةُ. وَأَنَّ مِنْ أَدْرَكَ الرَّفْعَ: فَقَدْ فَاتَتْهُ الْوَقْفَةُ، وَالرُّكُوعُ. وَأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ السَّجْدَتَيْنِ: فَقَدْ فَاتَتْهُ الْوَقْفَةُ، وَالرُّكُوعُ. وَأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ: فَقَدْ فَاتَتْهُ الْوَقْفَةُ، وَقِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ؛ وَكِلاَهُمَا فَرْضٌ، لاَ تُتِمُّ الصَّلاَةُ إلاَّ بِهِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِنَصِّ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَضَاءِ مَا سَبَقَهُ وَإِتْمَامِ مَا فَاتَهُ؛ فَلاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ نَصٍّ آخَرَ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى وُجُودِهِ، وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ: فَكَيْفَ وَقَعَ لَهُمْ التَّفْرِيقُ بَيْنَ فَوْتِ إدْرَاكِ الْوَقْفَةِ، وَبَيْنَ فَوْتِ إدْرَاكِ الرُّكُوعِ وَالْوَقْفَةِ؛ فَلَمْ يَرَوْا عَلَى أَحَدِهِمَا قَضَاءً مَا سَبَقَهُ، وَرَأَوْهُ عَلَى الآخَرِ. فَلاَ الْقِيَاسَ طَرَدُوا، وَلاَ النُّصُوصَ اتَّبَعُوا، وَقَدْ أَقْدَمَ بَعْضُهُمْ عَلَى دَعْوَى الإِجْمَاعِ عَلَى قَوْلِهِمْ، وَهُوَ كَاذِبٌ فِي ذَلِكَ؛ لاَِنَّهُ قَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عن ابْنِ عَجْلاَنَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: إذَا أَتَيْت الْقَوْمَ وَهُمْ رُكُوعٌ فَلاَ تُكَبِّرْ حَتَّى تَأْخُذَ مَقَامَك مِنْ الصَّفِّ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنْ لاَ يُعْتَدَّ بِالرَّكْعَةِ حَتَّى يَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: دَخَلْت أَنَا، وَابْنُ مَسْعُودٍ الْمَسْجِدَ وَالإِمَامُ رَاكِعٌ فَرَكَعْنَا ثُمَّ مَضَيْنَا حَتَّى اسْتَوَيْنَا بِالصَّفِّ؛ فَلَمَّا فَرَغَ الإِمَامُ قُمْت أَقْضِي، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: قَدْ أَدْرَكْتَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذَا إيجَابُ الْقَضَاءِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ وَهُوَ صَاحِبٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فإن قيل: فَلَمْ يَرَ ابْنَ مَسْعُودٍ ذَلِكَ قلنا: نَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا فَإِذَا تَنَازَعَ الصَّاحِبَانِ فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى مَا قَالَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلاَ يَحِلُّ الرَّدُّ إلَى سِوَى ذَلِكَ؛ فَلَيْسَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ حُجَّةً عَلَى زَيْدٍ، وَلاَ قَوْلُ زَيْدٍ حُجَّةً عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ؛ لَكِنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا وَعَلَى غَيْرِهِمَا مِنْ كُلِّ إنْسٍ وَجِنٍّ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ رُجُوعُ زَيْدٍ إلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَوْ رَجَعَ لَمَا كَانَ فِي رُجُوعِهِ حُجَّةٌ؛ وَالْخِلاَفُ لاِبْنِ مَسْعُودٍ مِنْهُ قَدْ حَصَلَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يَقُولُ: إذَا انْتَهَيْت إلَى الْقَوْمِ وَهُمْ فِي الصَّلاَةِ فَأَدْرَكْت تَكْبِيرَةً تَدْخُلُ بِهَا فِي الصَّلاَةِ، وَتَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ: فَقَدْ أَدْرَكْت تِلْكَ الرَّكْعَةِ؛ وَإِلاَّ فَارْكَعْ مَعَهُمْ وَاسْجُدْ، وَلاَ تَحْتَسِبْ بِهَا قَالَ عَلِيٌّ: وَرُوِّينَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رحمه الله، أَنَّهُ قَالَ كَلاَمًا مَعْنَاهُ: مَنْ ادَّعَى الإِجْمَاعَ فَقَدْ كَذَبَ؛ وَمَا يُدْرِيهِ وَالنَّاسُ قَدْ اخْتَلَفُوا، هَذِهِ أَخْبَارُ الأَصَمِّ، وَبِشْرِ الْمَرِيسِيِّ قَالَ عَلِيٌّ: صَدَقَ أَحْمَدُ رضي الله عنه مَنْ ادَّعَى الإِجْمَاعَ فِيمَا لاَ يَقِينَ عِنْدَهُ بِأَنَّهُ قَوْلُ جَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ بِلاَ شَكٍّ فِي أَحَدٍ مِنْهُمْ: قَدْ كَذَبَ عَلَى الآُمَّةِ كُلِّهَا؛ وَقَطَعَ بِظَنِّهِ عَلَيْهِمْ؛ وَقَدْ قَالَ عليه السلام: الظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ فإن قيل: إنَّ قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا لاَ يُقَالُ مِثْلُهُ بِالرَّأْيِ. قِيلَ لَهُمْ: فَهَلاَّ قُلْتُمْ هَذَا فِيمَا رُوِّينَاهُ آنِفًا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه: لاَ صَلاَةَ إلاَّ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَآيَتَيْنِ مَعَهَا، وَلَكِنَّ التَّحَكُّمَ سَهْلٌ عَلَى مَنْ لَمْ يُعَدَّ كَلاَمُهُ مِنْ عَمَلِهِ فإن قيل: هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، قلنا: مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ، وَلاَ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاتِّبَاعِ الْجُمْهُورِ؛ لاَ فِي آيَةٍ، وَلاَ فِي خَبَرٍ صَحِيحٍ؛ وَأَمَّا الْمَوْضُوعَاتِ فَسَهْلٌ وُجُودُهَا فِي كُلِّ حِينٍ عَلَى مَنْ اسْتَحَلَّهَا. فإن قيل: إنَّهُ يُكَبِّرُ قَائِمًا ثُمَّ يَرْكَعُ؛ فَقَدْ صَارَ مُدْرِكًا لِلْوُقُوفِ قلنا: وَهَذِهِ مَعْصِيَةٌ أُخْرَى؛ وَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ قَطُّ، وَلاَ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلاَةِ فِي غَيْرِ الْحَالِ الَّتِي يَجِدُ الإِمَامَ عَلَيْهَا. وَأَيْضًا: فَلاَ يُجْزِئُ قَضَاءُ شَيْءٍ سَبَقَ بِهِ مِنْ الصَّلاَةِ إلاَّ بَعْدَ سَلاَمِ الإِمَامِ؛ لاَ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ: وَهُنَا أَقْوَالٌ، نَذْكُرُ مِنْهَا طَرَفًا لِيَلُوحَ كَذِبُ مِنْ ادَّعَى الإِجْمَاعَ فِي ذَلِكَ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَحْمَدَ عن ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَمَشَى إلَى الصَّفِّ، فَإِنْ دَخَلَ فِي الصَّفِّ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعُوا رُءُوسَهُمْ فَإِنَّهُ يُعْتَدُّ بِهَا، وَإِنْ رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الصَّفِّ فَلاَ يُعْتَدُّ بِهَا قَالَ الْحَجَّاجُ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا، وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا جَاءَ وَالْقَوْمُ سُجُودٌ سَجَدَ مَعَهُمْ؛ فَإِذَا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ سَجَدَ أُخْرَى، وَلاَ يَعْتَدُّ بِهَا قَالَ أَيُّوبُ: وَدَخَلْت مَعَ أَبِي قِلاَبَةَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ سَجَدُوا سَجْدَةً فَسَجَدْنَا مَعَهُمْ الآُخْرَى؛ فَلَمَّا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ سَجَدْنَا الآُخْرَى؛ فَلَمَّا قَضَى أَبُو قِلاَبَةَ الصَّلاَةَ سَجَدَ سَجْدَتَيْ الْوَهْمِ، وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُد، هُوَ ابْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: إذَا انْتَهَى إلَى الصَّفِّ الآخَرِ وَلَمْ يَرْفَعُوا رُءُوسَهُمْ وَقَدْ رَفَعَ الإِمَامُ رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يَرْكَعُ وَقَدْ أَدْرَكَ؛ لاَِنَّ الصَّفَّ الَّذِي فِيهِ هُوَ إمَامُهُ، وَإِنْ جَاءَ وَالْقَوْمُ سُجُودٌ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ مَعَهُمْ، وَلاَ يَعْتَدُّ بِهَا وبه إلى دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: إذَا جَاءَ وَهُمْ سُجُودٌ سَجَدَ مَعَهُمْ؛ فَإِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَةً، وَلاَ يَسْجُدُ وَيُعْتَدُّ بِهَا. وبه إلى حَمَّادٍ عَنْ قَتَادَةَ، وَحُمَيْدٍ، وَأَصْحَابِ الْحَسَنِ: إذَا وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ الإِمَامُ رَأْسَهُ فَقَدْ أَدْرَكَ؛ وَإِنْ رَفَعَ الإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ فَإِنَّهُ لاَ يُعْتَدُّ بِهَا قَالَ حَمَّادٌ: وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهُ عَنْ الْحَسَنِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَزُفَرُ: إذَا كَبَّرَ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ الإِمَامُ رَأْسَهُ فَقَدْ أَدْرَكَ، وَلْيَرْكَعْ بَعْدَ أَنْ يَرْفَعَ الإِمَامُ رَأْسَهُ. وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَقُولَ إذَا قَرَأَ " أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " لاَ بُدَّ لَهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وقال أبو حنيفة، وَالشَّافِعِيُّ: يَتَعَوَّذُ قَبْلَ ابْتِدَائِهِ بِالْقِرَاءَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؛ وَلَمْ يَرَيَا ذَلِكَ فَرْضًا وقال مالك: لاَ يَتَعَوَّذُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْفَرِيضَةِ، وَلاَ التَّطَوُّعِ إلاَّ فِي صَلاَةِ الْقِيَامِ فِي رَمَضَانَ، فَإِنَّهُ يَبْدَأُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ بِالتَّعَوُّذِ فَقَطْ ثُمَّ لاَ يَعُودَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ قَوْلَةٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا، لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلاَ سَقِيمَةٍ، وَلاَ أَثَرٍ أَلْبَتَّةَ، وَلاَ مِنْ دَلِيلِ إجْمَاعٍ، وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ، وَلاَ مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، فَإِنْ أَقْدَمَ مُقَدِّمٌ عَلَى ادِّعَاءِ عَمَلٍ فِي ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أَوْلَى مِنْ آخَرَ ادَّعَى الْعَمَلَ عَلَى خِلاَفِهِ، وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: إنَّ التَّعَوُّذَ لَيْسَ فَرْضًا: فَخَطَأٌ؛ لاَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: وقال بعضهم: لَوْ كَانَ التَّعَوُّذُ: فَرْضًا؛ لَلَزِمَ كُلَّ مَنْ حَكَى عَنْ أَحَدٍ أَنَّهُ ذَكَرَ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ: أَنْ يَتَعَوَّذَ، وَلاَ بُدَّ. قال علي: وهذا عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ؛ لاَِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّعَوُّذِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَلاَ يَرَوْنَ التَّعَوُّذَ عِنْدَ حِكَايَةِ الْمَرْءِ قَوْلَ غَيْرِهِ؛ فَصَحَّ أَنَّ التَّعَوُّذَ الَّذِي اخْتَلَفْنَا فِيهِ فَأَوْجَبْنَاهُ نَحْنُ وَلَمْ يُوجِبُوهُ هُمْ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، كَمَا جَاءَ فِي النَّصِّ، لاَ عِنْدَ حِكَايَةٍ لاَ يَقْصِدُ بِهَا الْمَرْءُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ قَوْلُ مَنْ أَوْجَبَ التَّعَوُّذَ: فَرْضًا، فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِ الصَّلاَةِ، عَلَى عُمُومِ الآيَةِ الْمَذْكُورَةِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنِ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَاصِمٍ الْعَنَزِيِّ عن ابْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَخَلَ الصَّلاَةَ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، ثَلاَثًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّيْطَانِ، مِنْ هَمْزِهِ، وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ. حدثنا حمام، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَالَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ قِرَاءَتِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَلِكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ: خَنْزَبٌ؛ فَإِذَا حَسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ وَاتْفُلْ عَنْ يَسَارِكَ ثَلاَثًا. وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يُخْفِي الإِمَامُ أَرْبَعًا: التَّعَوُّذُ، وَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَآمِينَ، وَرَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ. وَعَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالأَسْوَدِ، كِلاَهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يُخْفِي الإِمَامُ ثَلاَثًا: الاِسْتِعَاذَةُ، وَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَآمِينَ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن ابْنِ جُرَيْجٍ، قُلْت لِنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ: هَلْ تَدْرِي كَيْفَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْتَعِيذُ قَالَ: كَانَ يَقُولُ؛ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: خَمْسٌ يُخْفَيْنَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَالتَّعَوُّذُ، وَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَآمِينَ، وَاَللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَعَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يَسْتَعِيذُ فِي الصَّلاَةِ مَرَّةً حِينَ يَسْتَفْتِحُ صَلاَتَهُ حِينَ يَقْرَأُ أُمَّ الْكِتَابِ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَسْتَعِيذُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَعَنْ مَعْمَرٍ عن ابْنِ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ يَسْتَعِيذُ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّهُ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ الشَّيْطَانِ فِي الصَّلاَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ وَبَعْدَ أَنْ يَقْرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ. وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: الاِسْتِعَاذَةُ وَاجِبَةٌ لِكُلِّ قِرَاءَةٍ فِي الأَرْضِ فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِهَا وَيُجْزِئُ عَنْك، أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَقُلْت لَهُ: مِنْ أَجْلِ: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ قَالَ: نَعَمْ. وَبِالتَّعَوُّذِ فِي الصَّلاَةِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالأَوْزَاعِيُّ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ. قَالَ عَلِيٌّ: هَؤُلاَءِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، رضي الله عنهم، لاَ نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا مِنْهُمْ، وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِمِثْلِ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ، قَالَ عَلِيٌّ: وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ وَأَخَذَ بِهِ فَيَرَى التَّعَوُّذَ سُنَّةً قَبْلَ افْتِتَاحِ الْقِرَاءَةِ؛ لاَِنَّهُ فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَقْلِ الْقُرَّاءِ جِيلاً بَعْدَ جِيلٍ، وَفَرْضًا بَعْدَ أَنْ يَقْرَأَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْقُرْآنِ، وَلَوْ أَنَّهُ كَلِمَتَانِ، عَلَى نَصِّ الآيَةِ؛ لاَِنَّهَا تُوجِبُ التَّعَوُّذَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ بِظَاهِرِهَا. وَأَمَّا مَنْ تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فَفُرِضَ عَلَيْهِ التَّعَوُّذُ حِينَ ذَلِكَ بِالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ إذَا قَرَأَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ عَلِيٌّ: إلاَّ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ إجْمَاعُ جَمِيعِ قُرَّاءِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ جِيلاً بَعْدَ جِيلٍ عَلَى الاِبْتِدَاءِ بِالتَّعَوُّذِ مُتَّصِلاً بِالْقِرَاءَةِ قَبْلَ الأَخْذِ فِي الْقِرَاءَةِ: مُبَلَّغًا إلَيْنَا مِنْ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَذَا قَاضٍ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَنْثِرْ. وَصَحَّ أَنَّهُ عليه السلام اسْتَنْثَرَ فِي أَوَّلِ وُضُوئِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَمَنْ نَسِيَ التَّعَوُّذَ أَوْ شَيْئًا مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ حَتَّى رَكَعَ أَعَادَ مَتَى ذَكَرَ فِيهَا وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، إنْ كَانَ إمَامًا أَوْ فَذًّا فَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا أَلْغَى مَا قَدْ نَسِيَ إلَى أَنْ ذَكَرَ، وَإِذَا أَتَمَّ الإِمَامُ قَامَ يَقْضِي مَا كَانَ أَلْغَى ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَلَقَدْ ذَكَرْنَا بُرْهَانَ ذَلِكَ فِيمَنْ نَسِيَ فَرْضًا فِي صَلاَتِهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ مَا لَمْ يُصَلِّ كَمَا أَمَرَ؛ وَيُعِيدُ مَا صَلَّى كَمَا أُمِرَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ كَانَ لاَ يَحْفَظُ أُمَّ الْقُرْآنِ صَلَّى وَقَرَأَ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ الْقُرْآنِ إنْ كَانَ يَعْلَمُهُ، لاَ حَدَّ فِي ذَلِكَ، وَأَجْزَأَهُ، وَلْيَسْعَ فِي تَعَلُّمِ أُمِّ الْقُرْآنِ، فَإِنْ عَرَفَ بَعْضَهَا وَلَمْ يَعْرِفْ الْبَعْضَ: قَرَأَ مَا عَرَفَ مِنْهَا فَأَجْزَأَهُ، وَلْيَسْعَ فِي تَعَلُّمِ الْبَاقِي، فَإِنْ لَمْ يَحْفَظْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ صَلَّى كَمَا هُوَ؛ يَقُومُ وَيَذْكُرُ اللَّهَ كَمَا يُحْسِنُ بِلُغَتِهِ وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ حَتَّى يُتِمَّ صَلاَتَهُ؛ وَيُجْزِيهِ. وَلْيَسْعَ فِي تَعَلُّمِ أُمِّ الْقُرْآنِ، وَقَالَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ: يَقْرَأُ مِقْدَارَ سَبْعِ آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ، أَوْ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى مِقْدَارَ سَبْعِ آيَاتٍ قَالَ عَلِيٌّ: وَقُصِدَ بِذَلِكَ قَصْدُ التَّعْوِيضِ مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ، وَالتَّعْوِيضُ مِنْ الشَّرَائِعِ بَاطِلٌ، إلاَّ أَنْ يُوجِبَهُ قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ، وَلاَ قُرْآنَ، وَلاَ سُنَّةَ فِيمَا ادَّعَى؛ وَلَوْ كَانَ قِيَاسُ هَذَا الْقَائِلِ صَحِيحًا لَوَجَبَ أَنْ لاَ يُجْزِئَ مَنْ عَلَيْهِ يَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَ إلاَّ يَوْمٌ بِطُولِ الْيَوْمِ الَّذِي أَفْطَرَهُ؛ وَهَذَا بَاطِلٌ. وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ. فَمَنْ عَجَزَ عَنْ أُمِّ الْقُرْآنِ وَقَدَرَ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْقُرْآنِ سَقَطَتْ عَنْهُ، وَلَزِمَهُ مَا تَيَسَّرَ لَهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ قُرْآنٍ مِنْ كَلِمَتَيْنِ مَعْرُوفٌ أَنَّهُمَا مِنْ الْقُرْآنِ فَصَاعِدًا، وَإِنْ وُجِدَ هَذَا الْمَعْنَى فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَتْهُ؛ لاَِنَّ عُمُومَ " مَا تَيَسَّرَ " يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ كَانَ يَقْرَأُ بِرِوَايَةِ مَنْ عَدَّ مِنْ الْقُرَّاءِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ لَمْ تُجْزِهِ الصَّلاَةُ إلاَّ بِالْبَسْمَلَةِ، وَهُمْ: عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، رضي الله عنهم. وَمَنْ كَانَ يَقْرَأُ بِرِوَايَةِ مَنْ لاَ يَعُدُّهَا آيَةً مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ: فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُبَسْمِلَ، وَبَيْنَ أَنْ لاَ يُبَسْمِلَ. وَهُمْ: ابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ نَافِعٍ. وقال مالك: لاَ يُبَسْمِلُ الْمُصَلِّي إلاَّ فِي صَلاَةِ التَّرَاوِيحِ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ. وقال الشافعي: لاَ تُجْزِئُ صَلاَةٌ إلاَّ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَكْثَرُوا مِنْ الاِحْتِجَاجِ بِمَا لاَ حُجَّةَ لاَِيٍّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ فِيهِ. مِثْلُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَنَسٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، يَفْتَتِحُونَ الصَّلاَةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ يَذْكُرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لاَ قَبْلَهَا، وَلاَ بَعْدَهَا. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُ هَذَا. قال علي: وهذا كُلُّهُ لاَ حُجَّةَ فِيهِ لاَِنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَخْبَارِ نَهْيٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قِرَاءَةِ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَإِنَّمَا فِيهَا: أَنَّهُ عليه السلام كَانَ لاَ يَقْرَؤُهَا وَقَدْ عَارَضَتْ هَذِهِ الأَخْبَارُ أَخْبَارَ أُخَرَ مِنْهَا: مَارُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَكَانُوا لاَ يَجْهَرُونَ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا " فَلَمْ يَجْهَرُوا بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " فَهَذَا يُوجِبُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَهَا وَيَسُرُّونَ بِهَا، وَهَذَا أَيْضًا الإِيجَابُ فِيهِ لِقِرَاءَتِهَا، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الأَخْبَارِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَالْحَقُّ مِنْ هَذَا أَنَّ النَّصَّ قَدْ صَحَّ بِوُجُوبِ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ فَرْضًا، وَلاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فِي أَنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ حَقٌّ كُلُّهَا مَقْطُوعٌ بِهِ، مُبَلَّغَةٌ كُلُّهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ جِبْرِيلَ عليه السلام عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِنَقْلِ الْمَلَوَانِ فَقَدْ وَجَبَ إذْ كُلُّهَا حَقٌّ أَنْ يَفْعَلَ الإِنْسَانُ فِي قِرَاءَتِهِ أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ؛ وَصَارَتْ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " فِي قِرَاءَةٍ صَحِيحَةٍ آيَةً مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ، وَفِي قِرَاءَةٍ صَحِيحَةٍ لَيْسَتْ آيَةً مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ: مِثْلُ لَفْظَةِ " هُوَ " فِي قوله تعالى فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ:
وَمَنْ قَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ أَوْ شَيْئًا مِنْهَا، أَوْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ فِي صَلاَتِهِ مُتَرْجَمًا بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، أَوْ بِأَلْفَاظٍ عَرَبِيَّةٍ غَيْرِ الأَلْفَاظِ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى، عَامِدًا لِذَلِكَ، أَوْ قَدَّمَ كَلِمَةً أَوْ أَخَّرَهَا عَامِدًا لِذَلِكَ: بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، وَهُوَ فَاسِقٌ؛ لاَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: وقال أبو حنيفة تُجْزِيهِ صَلاَتُهُ، وَاحْتَجَّ لَهُ مَنْ قَلَّدَهُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: قَالَ عَلِيٌّ: لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا؛ لاَِنَّ الْقُرْآنَ الْمُنَزَّلَ عَلَيْنَا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْزِلْ عَلَى الأَوَّلِينَ، وَإِنَّمَا فِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ ذِكْرُهُ وَالإِقْرَارُ بِهِ فَقَطْ؛ وَلَوْ أُنْزِلَ عَلَى غَيْرِهِ عليه السلام لَمَا كَانَ آيَةً لَهُ، وَلاَ فَضِيلَةً لَهُ، وَهَذَا لاَ يَقُولُهُ مُسْلِمٌ، وَمَنْ كَانَ لاَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ فَلْيَذْكُرْ اللَّهَ تَعَالَى بِلُغَتِهِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
وَلَيْسَ عَلَى الإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ أَنْ يَتَعَوَّذَا لِلسُّورَةِ الَّتِي مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ؛ لاَِنَّهُمَا قَدْ تَعَوَّذَا إذْ قَرَآ. وَمَنْ اتَّصَلَتْ قِرَاءَتُهُ فَقَدْ تَعَوَّذَ كَمَا أُمِرَ، وَلَوْ لَزِمَهُ تَكْرَارُ التَّعَوُّذِ لَمَا كَانَ لِذَلِكَ غَايَةٌ إلاَّ بِدَعْوَى كَاذِبَةٍ، فَإِنْ قَطَعَ الْقِرَاءَةَ قَطْعَ تَرْكٍ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَبْتَدِئَ قِرَاءَةً فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى تَعَوَّذَ كَمَا أُمِرَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَالرُّكُوعُ فِي الصَّلاَةِ فَرْضٌ، وَالطُّمَأْنِينَةُ فِي الرُّكُوعِ حَتَّى تَعْتَدِلَ جَمِيعُ أَعْضَائِهِ وَيَضَعَ فِيهِ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ: فَرْضٌ، لاَ صَلاَةَ لِمَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَامِدًا. وَمَنْ تَرَكَ ذَلِكَ نَاسِيًا أَلْغَاهُ وَأَتَمَّ صَلاَتَهُ كَمَا أُمِرَ، ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الطُّمَأْنِينَةِ وَالاِعْتِدَالِ لِعُذْرٍ بِصُلْبِهِ أَجْزَأَهُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَسَقَطَ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ وَالتَّكْبِيرُ لِلرُّكُوعِ فَرْضٌ، وَقَوْلُهُ " سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ " فِي الرُّكُوعِ فَرْضٌ وَالْقِيَامُ إثْرَ الرُّكُوعِ فَرْضٌ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْتَدِلَ قَائِمًا وَقَوْلُ " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ الرُّكُوعِ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ، مِنْ إمَامٍ أَوْ مُنْفَرِدٍ أَوْ مَأْمُومٍ لاَ تُجْزِئُ الصَّلاَةُ إلاَّ بِهِ، فَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ ذَلِكَ " رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ " أَوْ " وَلَك الْحَمْدُ " وَلَيْسَ هَذَا فَرْضًا عَلَى إمَامٍ، وَلاَ فَذٍّ. وَإِنْ قَالاَهُ كَانَ حَسَنًا وَسُنَّةً وَقَوْلُ الْمَأْمُومِ " آمِينَ " إذَا قَالَ الإِمَامُ، وَلاَ الضَّالِّينَ فَرْضٌ؛ وَإِنْ قَالَهُ الإِمَامُ فَهُوَ حَسَنٌ وَسُنَّةٌ، وَلاَ يَحِلُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَرْكَعَ، وَلاَ أَنْ يَرْفَعَ، وَلاَ أَنْ يَسْجُدَ مَعَ إمَامِهِ، وَلاَ قَبْلَهُ؛ لَكِنْ بَعْدَهُ، وَلاَ بُدَّ، وَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ إنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ؛ فَإِنْ نَسِيَ أَلْغَى تِلْكَ الْمُدَّةَ مِنْ سُجُودِهِ ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَسَجْدَتَانِ إثْرَ الْقِيَامِ الْمَذْكُورِ فَرْضٌ؛ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهِمَا فَرْضٌ؛ وَالتَّكْبِيرُ لِكُلِّ سَجْدَةٍ مِنْهُمَا فَرْضٌ وَقَوْلُ " سُبْحَانَ رَبِّي الأَعْلَى " فِي كُلِّ سَجْدَةٍ فَرْضٌ، وَوَضْعُ الْجَبْهَةِ وَالأَنْفِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَصُدُورِ الْقَدَمَيْنِ عَلَى مَا هُوَ قَائِمٌ عَلَيْهِ مِمَّا أُبِيحَ لَهُ التَّصَرُّفُ عَلَيْهِ: فَرْضٌ كُلُّ ذَلِكَ وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَرْضٌ؛ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ فَرْضٌ؛ وَالتَّكْبِيرُ لَهُ فَرْضٌ لاَ تُجْزِئُ صَلاَةٌ لاَِحَدٍ بِأَنْ يَدَعَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ عَامِدًا شَيْئًا؛ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَاسِيًا أَلْغَى ذَلِكَ وَأَتَى بِهِ كَمَا أُمِرَ، ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ؛ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ لِجَهْلٍ أَوْ عُذْرٍ مَانِعٍ سَقَطَ عَنْهُ وَتَمَّتْ صَلاَتُهُ، وَلاَ يُجْزِئُ السُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ، وَالأَنْفِ: إلاَّ مَكْشُوفَيْنِ؛ وَيُجْزِئُ فِي سَائِرِ الأَعْضَاءِ مُغَطَّاةٍ، وَيَفْعَلُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ صَلاَتِهِ مَا ذَكَرْنَا بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى؛ ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ فَرَجَعَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ثَلاَثًا؛ فَقَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ: إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا. حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حدثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَلاَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ جَاءَ رَجُلٌ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى، فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ جَاءَ فَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَعَلَيْكَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَرَجَعَ فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ جَاءَ فَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْكَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، فَقَالَ الرَّجُلُ: لاَ أَدْرِي مَا عِبْتَ عَلَيَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّهُ لاَ تَتِمُّ صَلاَةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، وَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَيَمْسَحَ بِرَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ يُكَبِّرَ اللَّهَ وَيَحْمَدَهُ وَيُمَجِّدَهُ، وَيَقْرَأَ مِنْ الْقُرْآنِ مَا أَذِنَ اللَّهُ لَهُ فِيهِ وَتَيَسَّرَ، ثُمَّ يُكَبِّرَ فَيَرْكَعَ فَيَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ وَتَسْتَرْخِيَ، ثُمَّ يَقُولَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَيَسْتَوِيَ قَائِمًا حَتَّى يَأْخُذَ كُلُّ عُضْوٍ مَأْخَذَهُ، وَيُقِيمَ صُلْبَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرَ فَيَسْجُدَ وَيُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنْ الأَرْضِ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ وَتَسْتَرْخِيَ، ثُمَّ يُكَبِّرَ فَيَرْفَعَ رَأْسَهُ وَيَسْتَوِيَ قَاعِدًا عَلَى مَقْعَدَتِهِ وَيُقِيمَ صُلْبَهُ. فَوَصَفَ الصَّلاَةَ هَكَذَا حَتَّى فَرَغَ. ثُمَّ قَالَ: لاَ تَتِمُّ صَلاَةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ: التَّحْمِيدُ الْمَذْكُورُ وَالتَّمْجِيدُ الْمَذْكُورُ هُوَ قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَالَ الْعَبْدُ فِي صَلاَتِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ يَقُولُ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: مَالِكِ يَوْمِ الدَّيْنِ قَالَ اللَّهُ: مَجَّدَنِي عَبْدِي حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ هُوَ الأَعْمَشُ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله تعالى عليه وسلم: لاَ تُجْزِئُ صَلاَةُ الرَّجُلِ حَتَّى يُقِيمَ ظَهْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُجْزِئُ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ ظَهْرَهُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ. حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ وَيُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى وَالْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ قِرَاءَةُ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لَهُ كُلُّهُمْ عن ابْنِ وَهْبٍ عن ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ عن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعٍ، وَلاَ أَكْفِتَ الشَّعْرَ، وَلاَ الثِّيَابَ: الْجَبْهَةِ، وَالأَنْفِ، وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ فِي السُّجُودِ وَلَمْ يَضَعْ أَنْفَهُ، وَلاَ يَدَيْهِ، وَلاَ رُكْبَتَيْهِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يُجْزِئُهُ أَنْ يَضَعَ فِي السُّجُودِ أَنْفَهُ، وَلاَ يَضَعَ جَبْهَتَهُ، وَلاَ يَدَيْهِ، وَلاَ رُكْبَتَيْهِ. حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، حدثنا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ قَالَ لَنَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَنَا فَبَيَّنَ لَنَا سُنَّتَنَا وَعَلَّمَنَا صَلاَتَنَا فَقَالَ: إذَا صَلَّيْتُمْ فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا قَالَ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ، وَلاَ الضَّالِّينَ فَقُولُوا: آمِينَ، يُحِبُّكُمْ اللَّهُ وَإِذَا كَبَّرَ وَرَكَعَ فَكَبِّرُوا وَارْكَعُوا، فَإِنَّ الإِمَامَ يَرْكَعُ قَبْلَكُمْ وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ، فَتِلْكَ بِتِلْكَ، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ يَسْمَعُ اللَّهُ لَكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَإِذَا كَبَّرَ وَسَجَدَ فَكَبِّرُوا وَاسْجُدُوا، فَإِنَّ الإِمَامَ يَسْجُدُ قَبْلَكُمْ وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ؛ فَتِلْكَ بِتِلْكَ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. قَالَ عَلِيٌّ: مِنْ الْعَظَائِمِ الَّتِي نَعُوذُ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهَا أَنْ يَقُولَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ تَتِمُّ صَلاَةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يَفْعَلَ كَذَا أَوْ كَذَا، وَافْعَلُوا كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ قَائِلٌ بَعْدَ أَنْ سَمِعَ هَذِهِ الأَخْبَارَ: إنَّ الصَّلاَةَ تَتِمُّ دُونَ ذَلِكَ، مُقَلِّدًا لِمَنْ أَخْطَأَ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْخَبَرُ، أَوْ بَلَغَهُ فَتَأَوَّلَ غَيْرَ قَاصِدٍ لِخِلاَفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَذَلِكَ مِنْ الْبَاطِلِ وَالتَّلَعُّبِ بِالسُّنَنِ أَنْ يَنُصَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمُورٍ ذَكَرَ أَنَّ الصَّلاَةَ لاَ تَتِمُّ إلاَّ بِهَا: فَيَقُولُ قَائِلٌ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ؛ بَعْضُ هَذِهِ الآُمُورِ هُوَ كَذَلِكَ، وَبَعْضُهَا لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنْ أَقْدَمَ كَاذِبٌ عَلَى دَعْوَى الإِجْمَاعِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ كَذَبَ عَلَى جَمِيعِ الآُمَّةِ. وَادَّعَى مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ. وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ خِلاَفُ الْيَقِينِ الصَّادِقِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لِظَنٍّ كَاذِبٍ افْتَرَى فِيهِ الَّذِي ظَنَّهُ عَلَى الآُمَّةِ كُلِّهَا؛ إذْ نَسَبَ إلَيْهَا مُخَالَفَةَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى ". وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْلِهِمْ: لاَ يُجْزِئُ تَكْبِيرُ الْمَأْمُومِ إلاَّ بَعْدَ تَكْبِيرِ الإِمَامِ، وَلاَ يُجْزِئُ سَلاَمُهُ إلاَّ بَعْدَ سَلاَمِ الإِمَامِ: أَمَّا رُكُوعُهُ وَرَفْعُهُ وَسُجُودُهُ فَمَعَ الإِمَامِ، وَهَذَا تَحَكُّمٌ عَجِيبٌ، وَكُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ هَهُنَا فَهُوَ لاَزِمٌ لَهُمْ فِي التَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ. فإن قال قائل: قَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ. قلنا: نَعَمْ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مَنْعٌ مِنْ قَوْلِ الإِمَامِ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَلاَ مَنْعُ الْمَأْمُومِ مِنْ قَوْلِ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. وَإِيجَابُ هَذَا مَذْكُورٌ فِي الْخَبَرِ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ. وَلاَ سَبِيلَ إلَى أَنْ تُوجَدَ جَمِيعُ الشَّرَائِعِ فِي خَبَرٍ وَاحِدٍ، وَلاَ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلاَ فِي سُورَةٍ وَاحِدَةٍ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعِيدِ الْخَيْرِ كِتَابًا إلَيَّ قَالَ: حدثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَغْرِبِيُّ الطَّرَسُوسِيُّ، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ النَّجِيرَمِيُّ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سَعِيدٍ الأَصْبَهَانِيّ بسيراف، حدثنا أَبُو بِشْرٍ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ الزُّبَيْرِيُّ، حدثنا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ الْغَافِقِيِّ عَنْ عَمِّهِ إيَاسِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلُوهَا فِي الرُّكُوعِ فَلَمَّا نَزَلَتْ: سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ. قَالَ عَلِيٌّ: وَبِإِيجَابِ فَرْضِ هَذَا يَقُولُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ وَغَيْرُهُمَا. فإن قيل: قَدْ جَاءَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلاَئِكَةِ وَالرُّوحِ وَ، أَنَّهُ قَالَ عليه السلام مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ الْعَبَّاسِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَشَفَ السِّتَارَةَ عَنْ وَجْهِهِ، وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إلاَّ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فأما الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِيهِ الدُّعَاءَ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ. " قلنا: نَعَمْ، وَلَيْسَ فِي هَذَا كُلِّهِ سُقُوطُ مَا أَوْجَبَهُ عليه السلام فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ؛ بَلْ قَوْلُهُ عليه السلام: " فَعَظِّمُوا الرَّبَّ " مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ " سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ". وَأَمَّا اجْتِهَادُ الدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ وَقَوْلُ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلاَئِكَةِ وَالرُّوحِ فَزِيَادَةُ خَيْرٍ، وَحَسَنَةٌ لِمَنْ فَعَلَهَا مَعَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ مِنْ التَّسْبِيحِ وَفَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ مَنْ أَسْقَطَ تَكْبِيرَتَيْنِ وَبَيْنَ مَنْ أَسْقَطَ ثَلاَثَ تَكْبِيرَاتٍ. وَهَذَا قَوْلٌ بِلاَ دَلِيلٍ أَصْلاً. وَقَدْ ذَكَرْنَا بُطْلاَنَ قَوْلِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْعَمَلِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي الصَّلاَةِ بِرَأْيِهِ وَبَيَّنَّا أَنَّهُ قَوْلٌ فَاسِدٌ، لاَِنَّهُ لاَ كَثِيرَ إلاَّ وَهُوَ قَلِيلٌ بِالإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ، وَلاَ قَلِيلَ إلاَّ وَهُوَ كَثِيرٌ بِالإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ، وَإِنَّ الْعَمَلَ الْوَاجِبَ فَتَرْكُ قَلِيلِهِ وَتَرْكُ كَثِيرِهِ سَوَاءٌ فِي مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّ الْعَمَلَ الْمُحَرَّمَ فَكَثِيرُهُ وَقَلِيلُهُ سَوَاءٌ فِي ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ، وَإِنَّ الْمُبَاحَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ مُبَاحٌ وَمَا عَدَا هَذَا فَبَاطِلٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ؛ إلاَّ أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقَادِيرِ فِي الأَعْمَالِ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ. حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عن ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا أَيْضًا كَذَلِكَ وَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ. وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ مَالِكٍ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَيْضًا مُسْنَدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا أَبُو الْيَمَانِ أَنَا شُعَيْبٌ، هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ " أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ صَلاَةٍ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ وَغَيْرِهَا، فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ، فَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: رَبّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ " وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إنِّي لاََقْرَبُكُمْ شَبَهًا بِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ لَصَلاَتُهُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا ". فَهَذَا آخِرُ عَمَلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَهُ الْمَالِكِيُّونَ بِرَأْيٍ لاَ بِخَبَرٍ أَصْلاً، وَمَا لَهُمْ مُتَعَلِّقٌ إلاَّ قَوْلُهُ عليه السلام وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ. قال علي: وهذا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لاَِنَّهُ عليه السلام لَمْ يَمْنَعْ الإِمَامَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنْ أَنْ يَقُولَ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، وَلاَ مَنَعَ الْمَأْمُومَ مِنْ أَنْ يَقُولَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَلاَ حُجَّةَ فِي هَذَا الْخَبَرِ فِي قَوْلِهِمَا لِذَلِكَ، وَلاَ فِي تَرْكِهِمَا لِقَوْلِ ذَلِكَ، فَوَجَبَ طَلَبُ حُكْمِ ذَلِكَ مِنْ أَحَادِيثَ أُخَرَ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ وَهُوَ إمَامٌ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَأَنَّهُ عَمَلُهُ إلَى أَنْ مَاتَ؛ فَبَطَلَ قَوْلُ كُلِّ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ؛ وَهُوَ أَيْضًا عَمَلُ السَّلَفِ. حدثنا حمام، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عن ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا كَانَ إمَامًا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ كَثِيرًا، ثُمَّ يَسْجُدُ لاَ يُخْطِئُهُ. وبه إلى ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ. أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَهُوَ إمَامٌ لِلنَّاسِ فِي الصَّلاَةِ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ كَثِيرًا، يَرْفَعُ بِذَلِكَ صَوْتَهُ وَنُتَابِعُهُ مَعًا. وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَ ذَلِكَ. وَبِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: إنْ كُنْت مَعَ الإِمَامِ فَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَإِنْ قُلْتَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَحَسَنٌ؛ وَإِنْ لَمْ تَقُلْهَا فَقَدْ أَجْزَأَ عَنْكَ، وَإِنْ تَجْمَعْهُمَا مَعَ الإِمَامِ أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ عَلِيٌّ: وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ يَقُولُ الإِمَامُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَلاَ يَقُولُ الْمَأْمُومُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: فَفَرَّقَ بِلاَ دَلِيلٍ؛ فَإِنْ كَانَ تَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ عليه السلام وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ فَقَدْ تَنَاقَضَ؛ لاَِنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ قَوْلُ الإِمَامِ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ فَإِنْ قَالَ: قَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَقُولُهَا وَهُوَ إمَامٌ، قلنا: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَ الصَّلاَةَ. وَفِيهَا أَنْ يُقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَلَمْ يَخُصَّ بِذَلِكَ مَأْمُومًا مِنْ إمَامٍ، مِنْ مُنْفَرِدٍ. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا قَوْلُ: آمِينَ فَإِنَّهُ كَمَا ذَكَرْنَا يَقُولُهُ الإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ نَدْبًا وَسُنَّةً، وَيَقُولُهَا الْمَأْمُومُ فَرْضًا، وَلاَ بُدَّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَاجِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عن ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: آمِينَ ". حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ هُوَ الْجَهْضَمِيُّ، حدثنا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى عَنْ بِشْرِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمِّ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَلاَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ، وَلاَ الضَّالِّينَ قَالَ: آمِينَ، حَتَّى يَسْمَعَ مَنْ يَلِيَهُ مِنْ الصَّفِّ الأَوَّلِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ، حدثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا وَكِيعٌ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ أَنَّ بِلاَلاً قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ تَسْبِقْنِي بِآمِينَ. وبه إلى وَكِيعٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ حُجْرِ بْنِ عَنْبَسٍ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ: وَلاَ الضَّالِّينَ فَقَالَ آمِينَ يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " آمِينَ " وَهُوَ إمَامٌ فِي الصَّلاَةِ، يَسْمَعُهَا مَنْ وَرَاءَهُ، وَهُوَ عَمَلُ السَّلَفِ كَمَا حَدَّثَنَا حمام، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عن ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْت لِعَطَاءٍ: أَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يُؤَمِّنُ عَلَى إثْرِ أُمِّ الْقُرْآنِ قَالَ: نَعَمْ، وَيُؤَمِّنُ مَنْ وَرَاءَهُ، حَتَّى إنْ لِلْمَسْجِدِ لَلُجَّةً. قَالَ عَطَاءٌ: وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ وَقَدْ قَامَ الإِمَامُ قَبْلَهُ فَيَقُولُ وَيُنَادِيه: لاَ تَسْبِقْنِي بِآمِينَ. قَالَ عَطَاءٌ: وَلَقَدْ كُنْت أَسْمَعُ الأَئِمَّةَ يَقُولُونَ هُمْ أَنْفُسُهُمْ عَلَى إثْرِ أُمِّ الْقُرْآنِ " آمِينَ " هُمْ وَمَنْ وَرَاءَهُمْ حَتَّى إنْ لِلْمَسْجِدِ لَلُجَّةً. قَالَ عَلِيٌّ: اللُّجَّةُ، الْجَلَبَةُ، وبه إلى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ كَانَ مُؤَذِّنًا لِلْعَلاَءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ بِالْبَحْرَيْنِ فَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَسْبِقَهُ بِآمِينَ. وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: يُخْفِي الإِمَامُ أَرْبَعًا: " التَّعَوُّذُ " " وَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " " وَآمِينَ " " وَرَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ ". وَعَنْ عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدِ كِلَيْهِمَا عن ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يُخْفِي الإِمَامُ ثَلاَثًا: التَّعَوُّذُ، " وَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " " وَآمِينَ ". وَعَنْ عِكْرِمَةَ: لَقَدْ أَدْرَكْتُ النَّاسَ وَلَهُمْ ضَجَّةٌ بِآمِينَ. قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذَا عَمَلُ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم. فأما أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَدَاوُد وَجُمْهُورُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فَيَرَوْنَ الْجَهْرَ بِهَا لِلإِمَامِ، وَالْمَأْمُومِ، وَبِهِ نَقُولُ؛ لاَِنَّ الثَّابِتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْجَهْرُ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَقُولُهَا الإِمَامُ سِرًّا ذَهَبُوا إلَى تَقْلِيدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنْ يَقُولَ الْمَأْمُومُ " آمِينَ "، وَلاَ يَقُولُهَا الإِمَامُ. قال علي: وهذا قَوْلٌ لاَ يُعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، قَطْعًا، نَعَمْ، وَلاَ نَعْرِفُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ أَصْلاً فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ. إلاَّ أَنَّ بَعْضَ الْمُمْتَحِنِينَ بِتَقْلِيدِهِ قَالَ: إنَّ سُمَيًّا مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، وَسُهَيْلَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ رَوَيَا كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إذَا قَالَ الْقَارِئُ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ، وَلاَ الضَّالِّينَ فَقَالَ مَنْ خَلْفَهُ آمِينَ فَوَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ أَهْلِ السَّمَاءِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. هَذَا لَفْظُ سُهَيْلٍ. وَأَمَّا لَفْظُ سُمَيٍّ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا قَالَ الإِمَامُ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ، وَلاَ الضَّالِّينَ فَقُولُوا: آمِينَ. قَالَ: فَلَيْسَ فِي هَذَا تَأْمِينُ الإِمَامِ. قال علي: وهذا غَايَةُ الْمَقْتِ فِي الاِحْتِجَاجِ، إذْ ذَكَرُوا حَدِيثًا لَيْسَ فِيهِ شَرِيعَةٌ قَدْ ذَكَرْت فِي حَدِيثٍ آخَرَ، فَرَامُوا إسْقَاطَهَا بِذَلِكَ، وَلاَ شَيْءَ فِي إسْقَاطِ جَمِيعِ شَرَائِعِ الإِسْلاَمِ أَقْوَى مِنْ هَذَا الْعَمَلِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ تُذْكَرْ كُلُّ شَرِيعَةٍ فِي كُلِّ آيَةٍ، وَلاَ فِي كُلِّ حَدِيثٍ، ثُمَّ مِنْ الْعَجَبِ احْتِجَاجُهُمْ بِأَبِي صَالِحٍ فِي أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَفْظًا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَلَوْ انْفَرَدَ سَعِيدٌ لَكَانَ يَعْدِلُ جَمَاعَةً مِثْلَ أَبِي صَالِحٍ فَكَيْفَ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ: أَنْ لاَ يَقُولَ الإِمَامُ " آمِينَ " فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ، وقال بعضهم: إنْ مَعْنَى قَوْلِهِ عليه السلام إذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا إنَّمَا مَعْنَاهُ إذَا قَالَ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ، وَلاَ الضَّالِّينَ قَالَ عَلِيٌّ: فَيُقَالُ لَهُ: كَذَبْتَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُلْتَ عَلَيْهِ الْبَاطِلَ الَّذِي لَمْ يَقُلْهُ عليه السلام عَنْ نَفْسِهِ، وَأَخْبَرْت عَنْ مُرَادِهِ بِالإِفْكِ، وَحَرَّفْت الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ بِلاَ بُرْهَانٍ؛ وَمَا قَالَ قَطُّ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ قَوْلَ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ، وَلاَ الضَّالِّينَ يُسَمَّى تَأْمِينًا فَاحْتَجَّ لِقَوْلِهِ الْفَاسِدِ بِطَامَّةِ أُخْرَى وَهِيَ :، أَنَّهُ قَالَ: قَدْ جَاءَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لِمُوسَى وَهَارُونَ عليهما السلام قال علي: وهذا أَدْهَى وَأَمَرُّ لَيْتَ شَعْرِي أَيْنَ وَجَدَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، أَوْ مَنْ بَلَغَهُ إلَى مُوسَى، وَهَارُونَ عليهما السلام وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ قَائِلٍ لاَ يُدْرَى مِنْ أَيْنَ قَالَهُ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ يَقِينًا لَمَا كَانَ لَهُ فِيهِ حُجَّةٌ أَصْلاً؛ لاَِنَّ الْمُؤَمِّنَ فِي اللُّغَةِ دَاعٍ بِلاَ شَكٍّ، لاَِنَّ مَعْنَى " آمِينَ " اللَّهُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فَالتَّأْمِينُ دُعَاءٌ صَحِيحٌ بِلاَ شَكٍّ، وَلاَ يُسَمَّى الدَّاعِي مُؤَمِّنًا أَصْلاً، وَلاَ يُسَمَّى الدُّعَاءُ تَأْمِينًا حَتَّى يَلْفِظَ بِآمِينَ: فَكُلُّ تَأْمِينٍ دُعَاءٌ، وَلَيْسَ كُلُّ دُعَاءٍ تَأْمِينًا. فَكَيْفَ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: آمِينَ، وَهُوَ الإِمَامُ، وَهَذَا مِمَّا انْفَرَدُوا بِهِ عَنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَجُمْهُورِ السَّلَفِ بِرَأْيِهِمْ بِلاَ بُرْهَانٍ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا السُّجُودُ فَإِنَّ مَنْ أَجَازَ السُّجُودَ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ سَأَلْنَاهُ عَنْ عِمَامَةٍ غِلَظٌ كَوْرُهَا إصْبَعُ، ثُمَّ إصْبَعَانِ، إلَى أَنْ نُبْلِغَهُ إلَى ذِرَاعَيْنِ وَثَلاَثٍ وَأَكْثَرَ؛ فَيَخْرُجُ إلَى مَا لاَ يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ، ثُمَّ نَحُطُّهُ مِنْ الإِصْبَعِ إلَى طَيَّةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ عِمَامَةِ شَرِبَ وَكَلَّفْنَاهُ الْفَرْقَ، وَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ. وَبِقَوْلِنَا يَقُولُ جُمْهُورُ السَّلَفِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْت زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ: رَأَى حُذَيْفَةُ رَجُلاً لاَ يُتِمُّ الرُّكُوعَ، وَلاَ السُّجُودَ، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: مَا صَلَّيْت، وَلَوْ مِتَّ مِتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ رَأَى رَجُلَيْنِ يُصَلِّيَانِ أَحَدُهُمَا مُسَبِّلٌ إزَارَهُ، وَالآخَرُ لاَ يُتِمُّ رُكُوعَهُ، وَلاَ يُتِمُّ سُجُودَهُ؛ فَقَالَ: أَمَّا الْمُسَبِّلُ إزَارَهُ فَلاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِ وَأَمَّا الآخَرُ فَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَتَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: مَنْ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ فِي عَمَلٍ مَا، فَذَلِكَ الْعَمَلُ بِلاَ شَكٍّ غَيْرُ مَرَضِيٍّ؛ وَإِذْ هُوَ غَيْرُ مَرَضِيٍّ فَهُوَ يَقِينًا غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَعَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ: أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً لاَ يُتِمُّ رُكُوعَهُ، وَلاَ سُجُودَهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا سَارِقُ، أَعِدْ الصَّلاَةَ، وَاَللَّهِ لَتُعِيدَنَّ، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى أَعَادَهَا، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إذَا سَجَدْت فَأَلْصِقْ أَنْفَك بِالأَرْضِ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ لِمَنْ رَآهُ يُصَلِّي: أَمَسَّ أَنْفُكَ الأَرْضَ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: إذَا لَمْ تَضَعْ أَنْفَك مَعَ جَبْهَتِك لَمْ تُقْبَلْ مِنْك تِلْكَ السَّجْدَةُ. وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَحْمَدُ، وَغَيْرُهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّهُ كَرِهَ السُّجُودَ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ. وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: أَنَّهُ كَانَ إذَا قَامَ فِي الصَّلاَةِ حَسِرَ الْعِمَامَةَ عَنْ جَبْهَتِهِ. وَعَنْ نَافِعٍ عن ابْنِ عُمَرَ: كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ حَتَّى يَكْشِفَهَا. وَعَنْ أَيُّوبَ عن ابْنِ سِيرِينَ: أَصَابَتْنِي شَجَّةٌ فِي وَجْهِي فَعَصَبْتُ عَلَيْهَا وَسَأَلْتُ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيَّ: أَسْجُدُ عَلَيْهَا فَقَالَ: انْزِعْ الْعِصَابَ وَعَنْ مَسْرُوقٍ: أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً إذَا سَجَدَ رَفَعَ رِجْلَيْهِ فِي السَّمَاءِ، فَقَالَ مَسْرُوقٌ: مَا تَمَّتْ صَلاَةُ هَذَا.
|